تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أدب النصيحة...السيران وست البيت

آراء
الاثنين 20-4-2009
أكرم شريم

من الواضح أن السيران و(السيرنجية) مشتقة في الأصل من الفعل الثلاثي (سار)، فالسيران أيام زمان إذاً وخاصة أننا نراه الآن يعود إلينا مع عودة مياهك الغزيرة يا بردى، من سار على الأقدام ويسيرون، وهذا كان ذهاباً وإياباً،

ومن المعروف أنه لم تكن توجد سيارات ولكن إذا وجد حمار فسيكون أصحابه من المحظوظين حتماً، فكان يركب عليه الزوج، ذلك أن ركوب الزوجة على الحمار أمر غير لائق، ولكن هذا الزوج كان يصنع الصغار الذين يتعبون من المشي أو تفلت من أرجلهم شحاطاتهم وقباقيبهم، أمامه على الحمار أو وراءه، والجميع تغمرهم الفرحة وتكشفها هذه اللهفة والسرعة والأصوات المرتفعة طوال الطريق إلى السيران.‏

وكانت الأم ست البيت وست الشام تحسب حساب كل شيء منذ خروجها من البيت وإلى عودتها إليه والجميع طوال الوقت يسألونها وهي طوال الوقت تجيب وهي إلى ذلك كانت تعرف أن الصغار قد يجوعون أثناء الطريق، فالمشوار طويل والطعام يمكن أن يطلب فكانت تعطي كل من يطلب وتسقي كل من يعطش، وحتى وهم عائدون فكلها جيوب وأيدٍ تعطي وعيون ترعى وتراقب، أما ما كان يشغلها ويشغلهم جميعاً وهم يحثون الخطا على عزف الشحاطات والقباقيب فهو أن يحصلوا على (المطرح) المناسب جانب الماء، وخاصة بين الماء والماء، أو فوق الماء وتحت الماء لأن بردى الذي كان يجري في عروقهم كما يجري في فروعه فكانت له كما نعلم سبعة أنهر، وعلى طول الربوة الغناء تتقارب هذه الأنهر حتى تكاد تلتقي.‏

وكانت أحلى الأمكنة عند هذا التقارب وبين تلك الالتقاءات وغالباً ما كانوا يلتقون هم أيضاً مع جيرانهم في السيران!.‏

وجيران السيران ليس هم جيران في الحارة وإنما جيرانهم حين يجلسون في السيران وينظرون فيلقونهم ويلقون التحيات.‏

الرجال على الرجال والنساء على النساء ويجتمع الصغار مع الصغار ويغردون حول الجميع وهم يلعبون، فقد كانت البيوت في ذلك الزمان وكما نعلم مثل المخابىء ولكنها كانت وسيعة وفسيحة ومشجرة وقد تجد فيها بستاناً ونهراً ومقبرة، وتسطع عليها الشمس وتدور في كل أرجائها من مشرقها إلى مغربها لأن هذه البيوت كانت مبنية في الأصل لكي تنفتح على السماء والشمس والهواء فتشعر وكأن الدار العربية تدور بك مع دوران الشمس وتجفف حتى الغسيل النسائي الخاص، المنشور في زاوية لا تراها العين على السطح ولكن الشمس كانت تراها!. وهكذا فالنساء حين كن يخرجن إلى السيران من هذه البيوت المخابىء كن كأنما يخرجن إلى الحياة العامة التي لا يرونها في السماء مهما اتسعت دورهم ومهما سطعت فيها الشمس ولعب الهواء، والأكثر أن السيران كان يعني للنساء خاصة حياة اجتماعية مختلطة مع الأسر الأخرى التي لم تكن لتوفرها الشمس الساطعة ولا الدور الوسيعة.‏

وهكذا وأخيراً وهي النصيحة كان السيران ولا يزال للصغار وللكبار ومن كل الفئات والمستويات حياة عامة وطبيعة ساحرة وماء غزيراً غزيراً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية