|
شؤون سياسية إلا أن هذا التناقض لا يقتصر على مواقف الأطراف المعنية وحدها. بل إنه يوجد بصورة واضحة داخل طرف واحد منها على الأقل, ذلك هو الولايات المتحدة التي تتباين مواقف تياراتها المؤثرة من ذلك الملف بين تيار يدعو للضغط من أجل تحقيق المطلوب دون استخدام القوة, وآخر يوافق على هذا شرط اعتبار ما يحدث مرحلة انتقالية تمهد لاستخدام القوة مستقبلاً. من جهتها تصر إيران على أن برنامجها النووي موجه أساساً لأغراض سلمية. وتعلن عن صواب أنه( حق ثابت) يكفله البند الرابع من معاهدة(عدم الانتشار) التي وقعت عليها إيران ووافقت بموجبها على التخلي عن خيار الأسلحة النووية. وقد وافقت إيران أيضاً على التقيد بجميع وسائل الحماية التي شرعتها الوكالة للطاقة الذرية, فضلاً عن المتطلبات الصارمة للوكالات الدولية الأخرى. غير أن الولايات المتحدة, بالإضافة إلى دول أخرى تجاريها, تزعم أن إيران بصدد العمل على برنامج سري للأسلحة النووية تخفيه تحت مقولة الأغراض السلمية. وقد اشتكت إيران مراراً في الآونة الأخيرة من أن( الترويكا الأوروبية) تتحرك ببطء شديد, ولا تمنح إلا القليل من الامتيازات, في حين أنها ترفض الاعتراف بحقها الراسخ في الحصول على التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية, وهو ذات الحق الذي تكفله المعاهدة الدولية لعدم انتشار الأسلحة النووية لذا فقد أعلنت إيران بصراحة أنها لن تنتظر طويلاً بدليل إشارة الرئيس أحمدي نجاد إلى هذا الأمر في مناسبات عدة. وبالرغم من إصرار طهران على مواصلة تخصيبها لليورانيوم على نطاق محدود, إلا أنها وافقت على وضع برنامجها تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع ذلك, فالولايات المتحدة والغرب يطالبان بالمزيد, حيث يسعيان إلى القضاء على كافة القدرات العلمية الإيرانية التي تمكنها من إنتاج الوقود النووي, علماً بأن ذلك الوقود الموجه لأغراض سلمية لايتطلب سوى مستويات منخفضة من التخصيب بخلاف الوقود المستعمل في الأسلحة النووية. ومن هذا المنطلق يذكر الاستاذ محمود القلم( استاذ العلاقات الدولية في جامعة الشهيد بهنس طهران) أن الحكومة الإيرانية تشعر أن الولايات المتحدة الأميركية اختارت إيران من بين عدة دول لتنتقد سجلها في حقوق الإنسان ونظام الحكم رغم وجود أنظمة ديكتاتورية في العديد من الدول, إلا أنها اختارت التصعيد مع إيران لأنها ترى أن هناك نفوذاً طبيعياً لها في المنطقة, وبأن هذا النفوذ يتزايد يوماً بعد يوم. لكن, أمام التزام طهران بمقتضيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية, وعدم خرق أحكامها, فإنه من الصعب توجيه اللوم لها أو العثور على ثغرات قانونية في تصرفها. بيد أن المشكلة هي في جوهرها سياسية وليست قانونية وتجد جذورها في السياسة الأميركية تجاه انتشار الأسلحة النووية حيث اعتمدت في تقييمها للموضوع على طبيعة الأنظمة السياسية, وليس على سياسة الدول نفسها, وللتدليل على ذلك يكفي النظر إلى الطريقة التي تتعامل بها واشنطن مع البرنامج النووي لدول عديدة وتسترها على البرنامج النووي الإسرائيلي. وقد برزت تهديدات جرى التلويح بها باحتمال إحالة موضوع برنامج تخصيب اليورانيوم إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ اجراءات قاسية ضد إيران بما في ذلك احتمال استعمال العنف غير أن تلك التهديدات فقدت معناها, حيث أعلنت صراحة كل من روسيا والصين عدم دعمهما لخيار استخدام القوة ضد طهران. ويرجع هذا الموقف إلى المصالح الاستراتيجية والاقتصادية للبلدين في إيران. فبينما تحاول الصين كقوة صاعدة مواجهة الولايات المتحدة في العالم, تحاول القوى الأخرى المعارضة تكريس مبدأ التعددية القطبية وعدم الاستفراد باتخاذ القرارات التي تؤثر على أ من واستقرار العالم. بالنظر إلى إمكانية إشهار ورقة( الفيتو) من قبل الصين وروسيا ضد أي قرار بالتدخل العسكري, فإنه بات واضحاً هشاشة خيار مجلس الأمن بالنسبة للغرب. و من جهة أخرى فقد أدت هذه المواجهة بين إيران والغرب حول استئناف برنامجها النووي إلى مضاعفة التأييد الذي يحظى به التيار المتشدد داخل ايران. وأخيراً , يجدر بالولايات المتحدة أن تستغل الحركة الدبلوماسية التي أحدثتها في الفترة الأخيرة للوصول إلى حل مناسب قبل أن تقطع إيران خط اللاعودة. وبالقدر الذي سعت فيه الولايات المتحدة إلى إشراك قوى عالمية متعددة في المفاوضات السداسية مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي, فإنها قادرة كذلك على توسيع دائرة الدول المشاركة في حل الأزمة الحالية مع إيران. |
|