تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أهـــــــــــــلاً وســـــــــهلاً

مجتمع
الاحد 14-7-2019
أيد المولى

عندما وضعت اللوحات الدلالية في نهاية حدود وهمية لكل مدينة كانت تلوح المدينة في كل صباح بيديها لتقول لهم رافقتكم السلامة وستعودون بعد ساعات من قضاء أعمالكم أو في اليوم التالي أو بعد أسبوع ,

كانت الشمس تطلع مشرقة مابين حمص وحماة وبين دمشق وحلب والياسمين يعرش على البيوت والورد الأرجواني والأحمر يتسلق على الجدران , في الطريق الى دمشق كانت البيوت مشرعة للشمس وفي حدائق حلب كان المتنبي يستقبل الناس ونوافير المياه ترحب بالزائرين وفي حماة حقول الزيتون والفستق الحلبي تتسابق في النضج فيسبق الفستق الزيتون ويقطف ثمرا وتنتشر في كل مكان من المدن قصعات من القش يوضع فيها هذا الثمر اللذيذ, وكان المسافرون لايرون في كل تلك المشاهد شيئا جديدا فقد اعتادوا الجمال في كل زاوية واعتادوا رؤية الشمس في بلد الشمس ورؤية النور في أرض النور .‏

في الطرقات كانت سيارات المشمش الحمصي تغادر حقول حمص الى دمشق والى حماة وكنا نعرف أن غزارة الانتاج تعود بالفائدة على المزارع دون ان نفكر بالعمال الكثر والعائلات التي تقطف المشمش ولابالعائلات التي تقطف الكرمة والزيتون والتين ولم تكن هناك أزمة في وجود كل هؤلاء الشباب والعائلات فقد كانوا ينتشرون في الحقول كانتشار النجوم في السماء واضحين وضائيين يحملون الخير ويقطفون الخير , وتصنع النساء حلوى «قمر الدين »، وكل ماكان موجودا من هذه الأشياء لم يختف ومازالت النساء تعمل ومازالت الورشات تصنع لكن بقليل من الفرح وكثير من التفكير في غد مجهول المخاطر‏

رافقتكم السلامة : عذرا . انها سورية بكل تفاصيلها معبودة في قلوبنا وفي شواطئنا وشوارعنا وحاراتنا لكن الآباء والآمهات لايعتقدون أن تلك «السلامة » التي لوثت منذ ثمان سنوات سوف تجعل أبناءهم قادرون على العودة الى ربوعها لتقول لهم : أهلا وسهلا , ابتسم انت في بلدك . لأن من غادر محتفظا بذاكرته بصورة الحجارة التي تحمل صمت الموت والجدران المتهاوية والسقوف المتساقطة كدرج وبقي في اذنيه صوت التفجيرات وفي حلقه رائحة البارود لن ينساها بسهولة وهو بحاجة لفترة طويلة كي ينسى أطفاله لحظات الترويع التي شهدوها اثر سقوط صاروخ هنا وقنبلة هناك .بامكاننا أن نكتب الكثير عن مآسي الحرب وعن القصص التي شابت سنوات العمر قهرا . لكن في نفس الوقت يبدو استذكارها شيئا يشبه الموت القابع في كل مكان ينتظر فرصة للايقاع بنا , اننا لانريد تذكر تلك السنوات التي تغادرنا تدريجيا ,نريد أشياء كثيرة لهذا البلد الذي نحمله ويحملنا ،نريد لسورية الفرح بعودة ابنائها وبدلاً من مصطلح رافقتكم السلامة على الحدود الوهمية بين المدن علينا استبدالها دائما اليوم وسهلا بكم في دمشق , اهلا وسهلا بكم في حمص وأهلا بكم وبكل سوري يشتاق ويذوب حنينا الى بلد ويسير قصدها «لاكالمُشْتَهي بَلَداً لكنْ كَمَنْ يَتَشَهّى وَجْهَ مَن عَشِقا»‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية