|
متابعات سياسية وتحديدا بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي أعُلن بعدها ولادة نظام عالمي جديد يرتكز ويقوم على مبدأ (القوة المفرطة) لفرض وتغيير أي واقع قائم وموجود على الأرض وفي أي مكان بالعالم تتوجه إليه الأطماع الاستعمارية والاحتلالية الأميركية، ذلك النظام الذي دشن القنبلتين النوويتين التي ألقتهما الولايات المتحدة على هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في 6 و9 أب عام 1945 عصره ووضعت دعائمه وحوامله الأساسية. من هذا المنطلق (منطلق القوة العمياء ) مضت أميركا بكل جبروتها وعنجهيتها في رسم سياساتها واستراتيجياتها على مستوى العالم واستطاعت وفق هذا المنطلق فرض سطوتها وسلطتها على كثير من دول العالم، وخاصة تلك التي تسمى مجازا بالدول التي تحكمها أنظمة مهللة وضعيفة وخانعة والتي تفتقد للدساتير والمؤسسات المدنية والديمقراطية ولأبسط صفات ومقومات الدولة، والتي تبحث بشكل متواصل عمن يحميها ويحفظ لها عروشها ومكاسبها وثرواتها. الولايات المتحدة استطاعت وفقا لتلك السياسة (سياسة القوة) أن تحكم العالم، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، وان تتمدد وتتقدم في الكثير من الأماكن بحجج وذرائع مختلفة كان معظمها ينهار لحظة اصطدامه بمنطق القوة التي كانت تنتهجه ليس مع حلفائها وشركائها وخصومها بل مع المؤسسات الدولية وتحديدا مع منظمة الأمم المتحدة على وجه العموم ومجلس الأمن على وجه الخصوص، الذي بات احد الأقسام والمكاتب التابعة للبيت الأبيض وما لم تستطع أن تأخذه تحت سقف الأخير أخذته بالضغط والقوة والصلف خلف الكواليس وأمامها وعبر استخدام مختلف الذرائع والحجج والأقنعة التي تبدأ بالزيف والخداع والتزوير ولا تنتهي باستخدام الحجج الكاذبة وشعارات الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان. لكن وبعيدا عن كل المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة خلال تلك العقود والتي صنفها العقل الأميركي على أنها انجازات وانتصارات كبيرة استطاعت واشنطن من خلالها بسط سيطرتها على العالم ( يبلغ عدد القواعد العسكرية الأميركية حوالي الألف قاعدة وتنشر في أكثر في 130 بلدا حول العالم ) .. إلا أن السياسة الأميركية خلال العقد الأخير كانت نقطة البداية في تهاوي التفرد الأميركي وسقوط السياسة والمصداقية الأميركية ليس على مستوى العالم فحسب، بل حتى داخل الشارع الغربي والأميركي الذي بلغ درجة عالية من الوعي والفهم وغير مسبوقة من الغضب والحنق تجاه سياسات بلاده الخارجية التي لم تجلب له سوى الويلات والكوارث والسمعة السيئة ومزيدا من الخصوم والأعداء بعد أن تسببت تلك السياسات بمقتل ملايين البشر وتدمير وتخريب عدد من الدول، مع ملاحظة أن منسوب الوعي والغضب لدى الشارع الأميركي والغربي ارتفع بشكل لافت خلال السنوات القليلة الماضية مع بدء تواتر انكشاف وافتضاح الغايات والأهداف الأميركية وراء حروبها في المنطقة والعالم وخاصة حرب العراق التي افتضحت أهدافها الحقيقية وسقطت مبرراتها وذرائعها على لسان الكثير من المسؤولين الأميركيين ولعل أبرزها ما جاء على لسان وزير الخارجية السابق كولن باول الذي فضح كذبة أسلحة الدمار الشامل التي بحجتها تم غزو العراق. لكن الحدث السوري بكل مآسيه ودمويته كان المنعكس الأبرز والأوضح لسقوط زمن الأحادية القطبية والتفرد الأميركي انطلاقا من الأسس والقواعد والمعادلات الجديدة التي رسمها الصمود الأسطوري للدولة السورية وحلفاؤها على الأرض، وهذا ماعكسه العجز الأميركي عن تحقيق أي تقدم خلال السنوات الخمسة الماضية، العجز الذي انتهى بالتسليم الأميركي للوقائع الجديدة وعلى لسان أكثر من مسؤول أميركي ، تسليم قد يكون مؤقتاً مراوغةً ومناورةً من الأميركي لكنه بمطلق الأحوال بدا أمرا واقعا على الأرض عكسه الاتفاق النووي الإيراني وملامح الاستدارة الأميركية التي بدأت تلوح في الأفق والتي تمهد لمقاربة أميركية أكثر واقعية ومصداقية لأحداث وقضايا المنطقة والعالم قوامها التعاطي بندية مع القوى الكبرى الموجودة (روسيا والصين )، والتعامل باحترام مع القوى الصاعدة التي أثبتت وجودها وحقوقها كإيران وسورية، بعيدا عن منطق القوة والأحادية القطبية والتفرد الأحمق. |
|