تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


السيران الدمشقي ...إرادة حياة تعصى على الأزمة

تقارير
الثلاثاء 15-5-2012
موسى الشماس

السيران يوم الجمعة يعدُّ تقليداً هاماً لدى الدمشقيّين، يلتجئون فيه إلى أحضان الطبيعة هرباً من علب الكبريت ( كناية عن محدودية و صغر مساحة الشقق كما يسمونها ) الى الغوطة، طريق المطار، المتحلق الجنوبي , الربوة، حديقة تشرين، الجندي المجهول، عين الفيجة، الزبداني، وأماكن عديدة أخرى هي مقصد الدمشقيين في الأيام الربيعية و الصيفية ، يلجؤون إليها مع عائلاتهم لقضاء يوم عائلي جميل، يتناولون فيه مختلف أنواع الأطعمة والمشروبات...

(السيران) هو تقليد عريق اعتاد أهل الشام على إحيائه بمختلف مشاربهم ومستواهم الاقتصادي.‏

خرج كثيرون للاستمتاع بدفء الشمس وقضاء ساعات من الراحة في المساحات الخضراء المنتشرة على جوانب الشوارع الرئيسية الأكبر في المدينة، وعند تقاطعات الطرق التي تشكلت حولها، ووسطها، ساحات دائرية أو نصف دائرية يكسوها العشب الأخضر وبعض الأزهار، وتحولت هذه المساحات الخضراء منذ سنوات خلت إلى مكان يفضله الدمشقيون لقضاء الوقت والاسترخاء في يوم ربيعي أو صيفي مشمس.‏

مساحات خضراء‏

تلاشي المساحات الأكبر من غوطة دمشق، والذي تزامن مع حركة عمرانية عشوائية ( في معظمها )غير مسبوقة ، ما ضّيق الخناق على أبناء المدينة المرتبطين بعادة «السيران»، فما كان منهم إلا أن حولوا الساحات الخضراء التي تكونت على جانب الطرقات وفي الساحات العامة، إلى بديل عن تلك البساتين التي اعتادوا التمتع بالرطوبة و الانتعاش تحت ظل أشجارها في الربيع والصيف. ومنذ ما يزيد عن خمس سنوات تكتظ هذه المساحات الخضراء بالناس من مختلف الأعمار والطبقات أيضاً، فالسيران عادة يجمع الكل، بغض النظر عن الحالة المادية للأسرة. حتى إن تجارة من نوع جديد قد نشأت عند تلك المساحات الخضراء، إذ ترى الباعة على العربات والدراجات الهوائية والنارية المزودة بصناديق أو معدات خاصة، يبيعون الشاي والقهوة والمأكولات الخفيفة والألعاب للأطفال والنرجيلة و...و...الكثير غيره. وفي كل يوم عطلة ربيعي أو مساء يوم صيفي حار لابد وأن تسمع من يدعوك للذهاب إلى الساحات الخضراء لتمضية بعض الوقت بعيداً عن المنازل وهمومها.‏

جولة صباحية‏

و في جولة صباحية بالقرب من طريق المطار و طريق المتحلق الجنوبي التقت الثورة السيد «محمد سالم محمد»الذي جاء من «ركن الدين» ( 51 سنة ) , لديه محل تجاري يتحدث محمد بشيء من الغصة قائلاً: «ننتظر سيران الجمعة بفارغ الصبر، لأنه يعتبر سيراناً للتواصل مع الأهل والأقارب على مائدة واحدة، ففي كل يوم جمعة نقصد مساحة خضراء للتمتع بنعم الطبيعة التي منحنا إياها الخالق، والأجواء مريحة وهادئة جداً، لقد اعتدنا على سيران الجمعة منذ طفولتنا، كما أنه ضرورة حياتية ملحة لكل إنسان يعيش في المدن، للتخفيف من ضغط العمل وضجة الحياة في المدينة، و قد كنا قديماً نقوم بذلك في بساتين «الغوطة الشرقية » بصورة خاصة لنقضي السيران مع العائلة بين هذه المساحات الخضراء، وأجمل شيء في السيران هو ضحكات الأطفال التي تكسر أجواء الحزن و الألم التي لن تستطيع التمكن منّا.‏

أما السيدة «نادين عبد الحي» وهي معلمة ابتدائي حلقة أولى ذكرت أن يوم السيران عادة متوارثة وله طقوسه الخاصة لدى جميع المتنزّهين، ولأننا من أصحاب الدخل المحدود، بصراحة الأسعار رمزية جداً هنا، العائلة كبيرة وكل فرد يتولى مهمته في السيران، فنحن النسوة نقوم بتحضير التبولة والفتوش والسلطات بينما يقوم الرجال بمهمة الشواء، ونحضر الغداء بينما نسمع أحاديث الجدة «أم محمد» وهؤلاء الشباب والشابات يقضون وقتهم باللعب والرقص والغناء، نستمتع جداً في يوم الجمعة بقضائه بين أحضان طبيعة «الغوطة» الخلابة، وسنبقى نحافظ على عاداتنا التي اكتسبناها من الذاكرة الشعبية.‏

يوم ترفيهي‏

ويتحدث «عبد العزيز جمعة» من مدينة «يلدا» عن العادات في سيران الجمعة بالقول: «هذا اليوم مقدس عند العائلة ونعتبره ترفيهياً، نرتاح فيه من متاعب الأسبوع بأكمله، نتأمل جمال الطبيعة ونتمتع بأوقاتنا بالحزازير والأمثال الشعبية والرقصات، كما نردد الأغاني القديمة، ولا يخلو السيران من المشروبات الدمشقية المعروفة مثل شراب التوت والورد والتمر هندي.‏

الشابة «مريم حاج موسى» طالبة جامعية شاركتنا الحديث بالقول: إن السيران الدمشقي يتميز عن غيره في المناطق الأخرى، وذلك نظراً لتعلقه بقضايا التراث التي رافقته منذ البداية، من عادات وتقاليد ومناسبات اجتماعية، في «دمشق» بالتحديد ليس بالضرورة أن يكون السيران مع العائلة، فهنالك سيران الأصدقاء والجيران وأيضاً نزهات ترتبط بمناسبات اجتماعية معينة، كالاحتفال بنجاح أحد الأبناء أو العودة من الحج.‏

السيد «محمد سامر عثمان» من منطقة الميدان قال: «السيران الشامي عادة متوارثة من الأجداد فبساتين الغوطة تتمتع بمناظر جميلة».‏

وتابع «كنا نذهب للسيران أيام زمان قاصدين أي مكان في الغوطة، فقد كانت مناطقها مفتوحة للجميع، أما اليوم فنذهب إلى أماكن محددة فيها، وندفع مبلغاً زهيداً عن كل شخص (50) ليرة سورية مقابل خدمات توفير المياه، وطاولات، وكراسي، وبإمكاننا أن نحضر طعامنا معنا.‏

ومع صعوبة توقع استمرار أو عدم استمرار الناس بممارسة هذا الطقس الاجتماعي ، فإن خروج العائلات من البيوت تحول إلى ملاذ آمن لهم لأشهر طويلة، وانتشارهم في الساحات الخضراء على ناصية الطرقات والشوارع للتنزه والترويح عن النفس، ظاهرة تثبت أن حب الإنسان للحياة أقوى من أي شيء آخر، وتؤكد أيضاً بقاء الروح الدمشقية حيةً وبكامل قواها رغم كل ما يجري. إنها إرادة الحياة العصية أبداً في وجه الأزمات والصعاب.  ‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية