تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القدرة على التجدد والإبداع

شؤون سياسية
الثلاثاء 7-4-2009
د. صياح عزام

تحل الذكرى الثانية والستون لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان أول حركة ثورية واجهت الواقع العربي بموضوعية من خلال تحليل هذا الواقع والتصدي له بنظرية واضحة وشعارات محددة تعكس طموحات وأهداف الجماهير العربية.

وكانت مسيرة هذا الحزب على مدى أكثر من ستين عاماً حافلة بالنضال الدؤوب والتضحيات الجسيمة في سبيل تحقيق رسالته والوصول إلى الأهداف التي حددها.‏

وإذا كان التأسيس الرسمي والإعلان عنه في عام 1947 فإن البدايات الأولى لحركة البعث كانت منذ مطلع الأربعينيات من القرن الماضي عندما بدأت أفكاره في الظهور بأشكال متعددة.‏

لقد عقد حزب البعث العربي مؤتمره التأسيسي الأول في الفترة ما بين /4و6/ نيسان سنة 1947 بحضور مندوبين من عدة دول عربية وصدر البيان الختامي عن أعماله في اليوم السابع والذي أعلن فيه عن إقرار دستور للحزب ونظام داخلي ،وبذلك أصبح للحزب نظامه ومؤسساته القيادية، وفي نهاية عام 1952 تم دمج حزب البعث العربي مع الحزب الاشتراكي الذي كان يتزعمه أكرم الحوراني والذي كان يضم قاعدة عريضة من الفلاحين والعمال وأصبح اسم الحزب كما هو عليه الآن «حزب البعث العربي الاشتراكي». في خمسينيات القرن الماضي قاد حزب البعث العربي الاشتراكي نضال الجماهير ضد الرجعية العربية التي كانت ممثلة بتحالف البورجوزاية الكبيرة والاقطاع وتبنى ممثلوه في المجلس النيابي آنذاك الدفاع عن حقوق العمال والفلاحين ووقف ضد الانقلابات العسكرية وضد الأحلاف والمشاريع الاستعمارية المشبوهة التي كانت تهدف إلى ربط سورية بعجلة السياسة الاستعمارية مثل حلف بغداد وغيره ووضع ثقله وراء تحقيق أول وحدة في تاريخ العرب الحديث وحدة عام 1958 بين سورية ومصر تحت اسم «الجمهورية العربية المتحدة» حيث أجبر السلطة التي كانت قائمة آنذاك والتي كانت تتردد إزاء إقامة تلك الوحدة أجبرها على إقامتها وبطبيعة الحال فقد تعرض مناضلو الحزب آنذاك لمزيد من الملاحقة والاضطهاد والسجن جراء نضالهم من أجل الأهداف والمبادئ والمثل التي أشرنا إليها، وقد ضحى الحزب بنفسه عندما قبل بحل تنظيمه في سورية تجاوباً مع شروط الرئيس الراحل جمال عبد الناصر التي اشترطها للقبول بوحدة عام 1958 بين سورية ومصر.‏

بعد ذلك قاد الحزب نضال الجماهير لتفجير ثورة الثامن من آذار عام 1963 التي قضت على الانفصال ووضعت سورية على الطريق الصحيح وفي موقعها الريادي على الساحة العربية.‏

وبعد قيام الثورة استمر نضال الحزب لحمايتها من أعدائها في الداخل والخارج وترسيخ جذورها وبدأ الحزب بوضع البرامج والخطط اللازمة لإجراء التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع ،إلا أن الحزب ابتلي بعقلية عرفت في أدبياته بعقلية الوصاية حاولت وضع العراقيل أمام مسيرة الحزب وشده إلى الوراء عبر الوقوف ضد قرارات التأميم المشهورة التي صدرت عام 1965 وإعاقة تنفيذ مقررات المؤتمر القومي السادس للحزب ما اضطر قواعد الحزب إلى إقصاء تلك العقلية عن قيادة الحزب بقيام حركة 23 شباط عام 1966، تلك الحركة التي فتحت آفاقاً جديدة أمام انطلاق وتعميق مسيرة الحزب وخطواته باتجاه البدء ببناء قاعدة اقتصادية متينة والانفتاح على قوى التحرر والتقدم عربياً وعالمياً ولكن من جديد ظهرت في الحزب عقلية أخرى هي (عقلية المناورة والتسلط)، الأمر الذي أدى إلى عزلة الحزب عن الجماهير في الداخل وعزلة القطر على الصعيد العربي جراء الاكتفاء بالمزايدات وطرح الشعارات غير القابلة للتنفيذ، الأمر الذي دفع قواعد الحزب إلى التصدي ثانية لهذه العقلية والالتفاف حول القائد الخالد حافظ الأسد الذي قام بالحركة التصحيحية المجيدة في 16 تشرين الثاني عام 1970، تلك الحركة التي وفرت الظروف المناسبة للعمل في مختلف المجالات وكانت بمثابة الثورة من الحزب على نفسه. في ظل الحركة التصحيحية كانت ولادة سورية الحديثة العصرية دولة الدستور والقانون وإقامة المؤسسات الديمقراطية والجبهة الوطنية التقدمية ونظام الإدارة المحلية وتحقيق الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية المتماسكة وبناء الجيش العقائدي المتطور، وإقامة نظام التعددية السياسية والاقتصادية والتنمية المستمرة وترسيخ وتطور دور المنظمات الشعبية والنقابات المهنية في بناء المجتمع المتقدم والمتطور هذا إلى جانب تحقيق إنجازات خدمية في كافة أنحاء سورية غيرت وجهها باتجاه الأفضل.‏

وعلى الصعيد العربي عمل الحزب باتجاه تحقيق أي خطوة وحدوية فكان الانضمام إلى اتحاد الجمهوريات العربية وفي إطار ذلك الاتحاد تم التنسيق بين سورية ومصر لخوض حرب تشرين التحريرية المجيدة عام 1973، تلك الحرب التي أعادت للعرب عزتهم وكرامتهم وحطمت أسطورة تفوق الجيش الإسرائيلي وشكلت البداية الحقيقية لانهيار قدرة الردع الإسرائيلية التي نشهدها الآن واتبعت سورية سياسة التضامن العربي فصححت علاقاتها مع الدول العربية وحرصت على حشد الطاقات والجهود العربية في المعركة ضد العدو الإسرائيلي.‏

وعلى الصعيد الدولي برزت سورية كدولة قوية لها وزنها على الصعيد الإقليمي والدولي من خلال دورها في تأييد نضال الشعوب وحركات التحرر وإقامة علاقات دولية على أساس الندية والاحترام المتبادل وعلى ضوء المواقف الدولية من القضايا العربية وحافظت على قرارها السياسي والاقتصادي المستقل في ظل المتغيرات الدولية التي جرت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي والتي كان من أبرزها سقوط الاتحاد السوفييتي السابق والمعسكر الاشتراكي بأسره. وعلى الصعيدين العربي والعالمي تعززت مكانة سورية وسمعتها وبرز دورها الفاعل وتأثيرها الإيجابي في الأحداث العربية والإقليمية والدولية من خلال مواقفها المبدئية والمبنية على رؤية صحيحة وواضحة تجاه مختلف الأحداث والقدرة على استشراف آفاق المستقبل وفشلت كل المراهنات في تحجيم هذا الدور وإضعافه واتضح للجميع على المستوى العربي والعالمي أن وجهة النظر السورية كانت هي الأصح تجاه أحداث المنطقة في العراق ولبنان وتجاه مسألة الصراع العربي الاشتراكي وغيرها من المسائل العربية الأخرى.‏

هذا وتأتي الذكرى الثانية والستون لتأسيس حزبنا هذا العام وسط ظروف صعبة تمر بها أمتنا العربية فالعراق ما زال يعاني من تداعيات الاحتلال، والانقسام الفلسطيني يهدد قضية فلسطين وخاصة مع استمرار الحصار الظالم على غزة، والسودان يتعرض لمؤامرة تهدد وحدته واستقلاله، إلا أن هذه الأوضاع لن تثني حزبنا بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد عن المضي في التصدي للمخططات العدوانية الهادفة إلى الهيمنة على الأمة العربية ومصادرة إرادتها والعمل أيضاً من أجل تحقيق تضامن عربي فعال يمكن العرب من مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.‏

وقد جاءت القمة العربية الأخير (الحادية والعشرون) في الدوحة والدور المتميز الذي لعبه السيد الرئيس بشار الأسد قبل القمة وأثناءها وبعدها على طريق تحقيق المصالحة العربية لتؤكد أن حزبنا سيظل يحمل راية الأمة ويعيش همومها ويعمل لتحقيق تطلعاتها وسيبقى وفياً للجماهير يناضل دون كلل لتحقيق أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية