تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فكر كما تحب.. ولكن؟!

عزف منفرد
الثلاثاء 7-4-2009
عبد الفتاح العوض

يلاحظ أحمد أمين أن العرب لم يعرفوا في جاهليتهم فلاسفة دعوا إلى مذاهب معينة وإنما كان عند العرب حكماء. وبعض الشعراء أمروا بالمعروف وحثوا على الفضائل وحذروا من الرذائل كما في حكم لقمان وأكثم بن صيفي وأشعار زهير بن أبي سلمى وحاتم الطائي.

والبديهي هنا أن هذه الحكم التي أطلقها العرب منذ الجاهلية وإلى وقت قريب كانت في معظمها تحمل قيما ومبادئ عليا, ونستطيع أن نصفها بأنها حكم أخلاقية.‏

من الأشياء الكثيرة التي اعتراها التغيير هو مفهوم الحكمة فالآن أصبح بالإمكان الحديث عن حكم ونصائح ليست أخلاقية.‏

وحتى في أسوأ الأوضاع يمكن أن يتمسك المرء بمنظومة أخلاقية تستطيع أن تحمي داخله من السواد.‏

إلا أننا وخلال تطورات غير مسبوقة أصبح الاستماع إلى نصائح غير أخلاقية أمرا طبيعيا, بمعنى أنها لا تتخذ المبادئ العليا معيارا لها.‏

وهنا نقف عند واحدة من هذه النصائح التي يمكن أن تشكل بحد ذاتها نموذجا من أسلوب حياة وثقافة سلوك.‏

فهناك نصيحة أو إن شئت بهذا الزمن تصبح حكمة مؤداها «فكر كما تحب ولكن تحدث كالآخرين».‏

إن الترجمة الحرفية لهذه النصيحة «نافق».‏

فمثل هذه النصيحة دعوة لأن تتجنب أن تكون الخروف الأسود بين قطيع من الخراف البيض كي لا يأكلك الذئب.‏

وهي أيضا وبصورة متصلة مشابهة لما يقوله ميكافيللي(مضى وقت طويل دون أن أقول ما أؤمن به، كما أنني لا أؤمن أبدا بما أقول وحتى ولو حدث أحيانا أنني أقول الحقيقة فإنني أخفيها وسط أكاذيب كثيرة بحيث يصبح العثور عليها صعبا).‏

بمقياس القيم فإن هذه النصيحة ساقطة.. وبالتالي فإن كل سلوك يتوافق معها هو سلوك غير أخلاقي.‏

بمقياس الواقع فإن هذه النصيحة صحيحة، وبالتالي فإن كل سلوك بفحواها هو سلوك صائب، وهنا المشكلة..‏

إن السلوك المنسجم مع الأخلاق والقيم أصبح سلوكا غير واقعي، وفيه كثير من الطوباوية، وأصبح من خلال ما تلمسه على أرض الواقع أو لنقل بعض ما تلمسه على أرض الواقع دعوة مفتوحة للقيام بكثير من التصرفات التي لا تتوافق على الأقل مع ما تفكر به أو ما تؤمن به.‏

وأصبحت مدعوا أن تكون جزءا من كورس يغني برتابة مملة نفس الجمل التي يكررها الجميع!‏

ولا أريد أن أتوقف عند هذه النصيحة بحد ذاتها إنما كنموذج من سلوك أصبح يشكل في بعض القطاعات ظاهرة عامة.‏

وعندما يتم ترديد نفس الأفكار والأخبار فإننا لن نتوقع أن نحصل على واقع مختلف.‏

وبالتأكيد في التاريخ ما يثبت واقعية هذه النصيحة.. لكن التاريخ نفسه يعود لينصف أولئك الذين حاولوا أن يقولوا أو يتصرفوا بشكل مختلف.‏

فكلنا يتذكر أن من قال: إن الأرض كروية على سبيل المثال وفكر كما أحب ولم يتحدث كما أراد الآخرون كانت نهايته مأساوية.‏

ويستطيع كل منا أن يذكر مثالا عن النهايات غير السعيدة لأولئك الذين لم يستطيعوا التأقلم مع حديث الآخرين..‏

المشكلة.. عندما لا يكون حديث هؤلاء الآخرين متزنا ومفهوما!!‏

نصائح اليوم واقعية جدا.. واقعية إلى درجة السوء والأسوأ من ذلك أنها صحيحة!! awad-af@scs-net.org

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية