تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الـــعراق.. دروس اقتصاديــة

ترجمة
الخميس 30-7-2009م
ترجمة : ريما الرفاعي

بدأت الولايات المتحدة الأميركية اعادة نشر 140 ألف جندي من قواتها المنتشرة في المدن العراقية وضواحيها ، في أول خطوة في المسيرة الطويلة للعودة إلى ارض الوطن . لقد اختفت من الصفحات الاولى

للصحف الأميركية أنباء التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة، وحلت مكانها أنباء سارة متفائلة بشأن استقرار الوضع الأمني بما يسمح بسحب قواتنا قريبا من العراق.‏

لكن من الواضح اننا أمام وضع متعجل . فالنزاع المسلح الذي أشعلنا نيرانه عام 2003 لا يزال بعيدا عن نهايته السعيدة المنشودة.‏

وفي افغانستان، تمكنت حركة طالبان من إعادة رص صفوفها وتعزيز قواتها في معظم انحاء البلاد ، حيث من المتوقع لهذا النزاع أن يكون أكثر تكلفة من الناحيتين المادية والبشرية من النزاع في العراق . وحتى شهر تموز الماضي بلغ عدد جنودنا القتلى في كل من العراق وأفغانستان 5 آلاف جندي، بينما أُصيب نحو 80 ألفا منذ اندلاع الحرب في البلدين . وزاد عدد جنودنا الذين يحتاجون إلى العلاج الطبي عن 300 ألف جندي حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى حاجة ما يزيد على 17 في المئة من العائدين من العراق إلى العلاج النفسي.‏

ورغم استطلاعات الرأي التي تشير الى تشوق العراقيين لمغادرة جنودنا بلادهم، فالمرجح أن يطلب المسؤولون العسكريون بقاء 50 ألف جندي في عدد من القواعد العسكرية المتفرقة هناك، تحسبا لأي تطورات في المستقبل القريب. فالوضع الأمني لا يزال هشا، ولا يزال العراق في مقدمة البلدان الأكثر خطورة بسبب تواصل التفجيرات. وحسب مؤشر مؤسسة بروكنجز الخاص بالعراق، فقد فر من جحيم الحرب هناك نحو مليوني مواطن، غالبيتهم من أفراد الطبقة الوسطى، ولم تعد منهم إلا مجموعات ضئيلة للغاية. ويبلغ عدد النازحين داخليا نحو 2.5 مليون شخص أي ما يعادل 10 في المئة من إجمالي السكان. وقد أرغم هؤلاء على الفرار من بيوتهم بعد اندلاع العنف، ولا تزال غالبيتهم تخشى العودة، فضلا عن الصراعات المذهبية والعرقية التي تتصاعد وقد تتطور إلى مواجهات مسلحة بسبب النزاع على الأراضي وعلى الموارد النفطية.‏

تضاف الى ذلك فاتورة الحرب الباهظة. وحسب معظم التقديرات فقد أنفقت الخزانة الفيدرالية تريليون دولارعلى العمليات العسكرية وغيرها من مصاريف الإنفاق الدفاعي. ومن المتوقع أن تنفق حوالي تريليوني دولار إضافيين لتغطية ديون الحرب وتحديث العتاد الحربي، إضافة إلى تغطية تكلفة علاج الجنود العائدين. ولا شك أن لفاتورة الحرب الضخمة هذه دوراً كبيرا ًفي الانهيار الاقتصادي المالي الذي أصاب الولايات المتحدة حيث يبدو ضربا من الجنون أن تنفق أميركا ثلاثة تريليونات دولار على حرب طائشة لا معنى لها، وكان من الطبيعي أن تعاني آلامها وويلاتها داخليا.‏

ورغم ان قيادتنا السياسية باتت تدرك اليوم مدى فداحة تكلفة الحرب الدائرة في أفغانستان ، لكن من المرجح أن تتكرر الأخطاء ذاتها التي ارتكبتها الإدارة السابقة في العراق. فها هو أوباما قد صادق على ميزانية إضافية حجمها 80 مليار دولار، لتمويل استمرار العمليات الحربية في العراق، وتوسيع العمليات الجارية في أفغانستان.‏

ان عدد المقاولين الحكوميين في كلتا الحربين يقدر بنحو 240 ألفا، ورقابة البنتاغون على المقاولين المستقلين لا تزال ضعيفة جدا. وفي الوقت نفسه، تعاني قيادة التحقيق الجنائي العسكري من نقص حاد للغاية في عدد المحققين. فهناك أقل من 100 محقق مكلفين بمتابعة مليارات الدولارات التي تحوم شبهات حول التلاعب بها واستغلالها لأهداف نفعية تحت يافطة الحرب.‏

وكان أوباما أعلن التزام ادارته بزيادة عدد الجنود الاميركيين في أفغانستان ب 20 ألفا. وإذا ما أُضيف هذا الالتزام إلى استمرار الوجود العسكري في العراق، واعتماد جميع جوانب العمل الحربي على المقاولين الخاصين، فإن ذلك يهدد بانزلاق الإدارة الحالية إلى ذات نمط الإنفاق الحربي المنفلت الذي دأبت عليه إدارة بوش. ولعل من أهم الدروس الاقتصادية التي ينبغي تعلمها من المأزق العراقي ضرورة ادخار بعض المال لإنفاقه على قدامى محاربينا، وشن حملة صارمة ضد التلاعب المالي وجني الأرباح باسم الحرب، ثم تشديد إجراءات الرقابة والمحاسبة المالية حتى يدرك دافعو الضريبة ما تنفقه بلادهم فعلاً من الضرائب المقتطعة من دخولهم وجيوبهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية