تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القوة الناعمة ..إقنــــــاع الآخــــرين عوضــــاً عن إرغــــامهم

كتب
الخميس 30-7-2009م
سلمان عزالدين

من اعتاد الإصغاء إلى خطب باراك أوباما لا بد أن يكون قد لفت انتباهه الإلحاح على عبارة (القوة الناعمة)، والواقع أن الرئيس الأميركي ليس هو من صاغ هذه العبارة،

بل ببساطة استعارها من جوزيف ناي الذي نحت المصطلح قبل عقد تقريباً في مقالات عدة ثم في كتاب تحت العنوان نفسه. كتاب (القوة الناعمة) ظهر في طبعة عربية من منشورات دار العبيكان وبترجمة لـ د. محمد توفيق البجيرمي.‏

وبداهة فإن إلحاح أوباما ليس أمراً عبثياً، وعبارة (القوة الناعمة) ليست مجرد لازمة أو محط كلام، فالخطاب الذي يلقيه رئيس أمريكا لا بد أن يمر على عدد كبير من المستشارين وبالتالي فلكل كلمة ثمة وظيفة محددة ومقصودة، الشيء الذي يجعل التقصي عن مفهوم القوة الناعمة في كتاب جوزيف ناي أمراً ضرورياً.‏

جوزيف ناي هو عميد مدرسة كيندي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد، كان رئيس مجلس المخابرات ومساعد وزير الدفاع في إدارة كلينتون، وهو مؤلف كتب عديدة منها: (مفارقة القوة الأميركية: لماذا لا تستطيع القوة العظمى الوحيدة في العالم أن تتصرف وحدها؟) و(ملزمون بالقيادة الطبيعية المتغيرة للقوة الأميركية) وكتابه الأشهر (لعبة القوة)..‏

يقول ناي: (القوة تشبه الطقس يعتمد عليه ويتحدث عنه كل شخص لكن لايفهمه إلا القليلون. ومثلما يحاول المزارعون والعاملون في الأرصاد أن ينبئوا بالطقس، يحاول الزعماء السياسيون والمحللون أن يصفوا علاقات القوة وينبئوا بتغييراتها. والقوة تشبه الحب أيضاً من حيث أن تجربتها أسهل من تحديدها أو قياسها غير أن ذلك لا يقلل من كونها شيئاً حقيقياً).‏

ومع ذلك فإن المؤلف يقدم على وضع عدة مقاربات لمفهوم (القوة الناعمة): إنها القدرة على عمل الأشياء.. القدرة على الحصول على النتائج التي يريدها المرء.. وهي تعني امتلاك القدرات على التأثير في أسلوب الآخرين لجعل تلك الأشياء تحدث. باختصار: (القوة هي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج التي يتوخاها المرء).‏

ثمة وسائل كثيرة للتأثير في الآخرين من أجل الحصول على النتائج التي تتوخاها. هناك أولاً القوى العسكرية: أن تعطي الأوامر لجيوشك الجرارة بالهجوم على الخصم وإرغامه على فعل ما تريد، أو على الأقل بإمكانك أن تضع قواتك على أهبة الاستعداد كنوع من التهديد والتلويح بالعصا.. هناك أيضاً العقوبات الاقتصادية والحصار.. هذه الوسائل وما يشبهها تقع في إطار القوة الصلبة، الشائعة والمعروفة للجميع في مختلف العصور.‏

غير أن ناي يجادل في وجود قوة لا تقل تأثيراً، بل يراها أكثر جدوى، إنها القوة الناعمة، قوة الإقناع والجاذبية.. أن تجعل الآخرين (يغيرون ترتيب أولوياتهم بما يخدم متطلباتك وأهدافك دون اللجوء إلى أي من العصا أو الجزرة بل باستخدام وسائل أكثر نعومة تستطيع من خلالها تغيير الآراء وتهيئة العقول وخلق بيئة محيطة منحازة لك ولأفكارك ورؤاك..).‏

ويعترف ناي أن مفهوم القوة الناعمة يلقى التشكيك على نطاق واسع، ويجابه بالاستخفاف والسخرية من قبل الكثير من الصقور الذين لا يعرفون إلا شكلاً واحداً للقوة قائماً على القسر والإرغام. وفي مواجهة هؤلاء يستعرض ناي تاريخ القوة الناعمة ويعدد إنجازاتها الخفية، مؤكداً أن الذي جعل الغرب ينتصر في الحرب الباردة ليس القوة الصلبة.. لم يكن هناك معركة عسكرية فاصلة، ولا غارات جوية حاسمة، ولا زحف مظفر للجيوش.. ببساطة لقد انتصر الغرب بفضل قوته الناعمة.. جاذبية شعاراته ومثله وتأثير أفكاره ورسائله الإعلامية..‏

وما هي مكونات القوة الناعمة ومصادرها؟‏

الثقافة: الكتب والموسيقا والمسرح والسينما والانترنت..‏

القيم السياسية: حرية التعبير وحقوق الإنسان وحرية العقيدة.. المساواة..‏

الدبلوماسية الخارجية وأنشطتها المتنوعة..‏

وفي حالة الولايات المتحدة تحديداً يعدد ناي الكثير من مصادر القوة الناعمة: هارفارد، الواشنطن بوست، هوليود، مايكروسوفت.. ويرى أن الإدارة السابقة (إدارة بوش) قد أهدرت الكثير من هذه المصادر وكادت أن تقوض ما تبقى من قوة أمريكية ناعمة.‏

هل ستعيد إدارة أوباما الاعتبار لمفهوم القوة الناعمة منهيةً بذلك عصر بوش الذي قام على بعد واحد للقوة، تجسد في التدخل العسكري المباشر والتلويح الدائم بالعصا؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية