تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تقرير التنمية البشرية 2009 تحديات كبيرة تواجه العالم

دراسات
الخميس 30-7-2009م
حسن حسن

ربما يكون التحول العالمي من التركيز على الاصلاحات السياسية إلى الاصلاحات الاقتصادية في البلدان المشمولة بهذه القائمة مجرد «لعبة جديدة» على المسرح العالمي المليء

بالأحداث الدامية والتطورات المرعبة التي ستقود المنطقة إلى هاوية غير مسبوقة في تاريخ البشرية التي أصبحت تعاني ظروفاً معيشية قاسية في ظل متغيرات وتقلبات دولية متسارعة.‏

وتكون الاصلاحات الاقتصادية بصورة فضلى إن أخذ القائمون عليها أولوية مساعدة الفقراء وانتشالهم من بؤرة الفقر المدقع الذي يلم بهذه الطبقة، ولايمكن الحكم على ماهية ذلك التوجه «الاصلاح الاقتصادي» مالم تتضح معالمه بصورة قوية للجميع ومعرفة مدى الفائدة التي ستعم الفقراء وتسد أفواه ملايين الجوعى المنتشرين في المعمورة، فضلاً عن الآلية التي سيكون عليها من حيث توزيع مكاسب التنمية وعوائد الموارد التي تتمتع بها الدول، فالبحث عن لقمة العيش يشكل هماً كبيراً لايدركه إلا من يعاني منه ويقع تحت وطأة الفقر والجوع والحرمان.‏

من الصعوبة بمكان أن يكون حديث وضغط القوى العالمية باتجاه تنفيذ الاصلاحات وتحقيقها وفقاً لرؤيتها دون أن تعمل جادة بالتعاون مع كافة الأقطاب على مواجهة خطر الفقر والجوع الذي يجتاح الدول النامية ذات الموارد الفقيرة ونسب البطالة العالية، فالعالم هنا سيواجه وضعاً إنسانياًغير طبيعي من حيث ارتفاع نسبة الجوعى ووجود الفوارق الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية، إذ ستزول الطبقة المتوسطة نهائياً وتبقى تلك التي تعيش في أبراج عاجية «البرجوازية» صاحبة المال والنفقوذ القوي وتلك المسحوقة التي تبحث عن قوتها اليومي لسد رمق الأطفال والشيوخ والنساء، فكل ماتريده هو العيش بكرامة.‏

وإن كانت الاصلاحيات ضرورة ملحة لدفع عجلة النمو وتحقيق الاستقرار المعيشي والأمني للشعوب، فإنه يتوجب التعامل معها بواقعية دون التدخل بشؤون الآخرين من قبل القوى العظمى بحيث تكون اصلاحات داخلية نابعة من أفكار وطموحات الشعوب التي ترى أولويات بناء مستقبلها واحتياجاتها الفعلية دون تدخل الآخرين باعتبارها أداة ضاغطة ومؤثرة على الساحة المحلية في بلادها، وأن أي مفهوم للإصلاحات لايرتبط بتحقيق العدالة الاجتماعية يكون مبتوراً وغير متوافق مع تطلعات الشعوب.‏

على كل حال، هذا ماحذر منه تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية لعام 2009، مشيراً إلى أن المنطقة العربية تواجه تحديدات متعاظمة تهدد أمن الإنسان نتيجة للضغوط البيئية الناجمة عن تغيير المناخ وندرة المياه، وقد تفضي النزاعات المترتبة على المنافسة على الموارد الطبيعية المتناقصة إلى رفع نسبة التوتر في العلاقات بين الجماعات والسكان والدول العربية وغير العربية، و في سياق آخر أفاد التقرير أن هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، وأن البطالة تعد من المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الاقتصادي في معظم الدول العربية، وتحدث التقرير عن مواطن الضعف الاقتصادي العربي حيث تشكل الدرجة العالية من التقلب من نمو الاقتصاد العربي دليلاً واضحاً على ضعف هذا الاقتصاد.‏

وحسب استطلاع أجرته مؤسسة زغبي، فإن أغلبية العرب يميلون إلى أفضلية تحسين الأوضاع المعيشية في بلادهم على الإصلاح السياسي، كذلك زيادة فرص العمل وحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتحسين الرعاية الصحية والتي تصدرت قائمة أهم عشر قضايا في العالم العربي.‏

ووسط تجاهل العالم لنداءات الشعوب الفقيرة، فإن دائرة الفقر تتوسع تدريجياً في أرجاء العالم، فيعيش نحو 2.8 مليار نسمة نصف سكان العالم يومياً بأقل من دولارين أميركيين، وأكثر من مليار منهم يواجهون فقراً مدقعاً، بما فيهم فقراء الدول العربية والإسلامية، فهذه الصورة القاتمة للعالم تجعل من إجراء الاصلاحات أمراً في غاية الصعوبة نتيجة لعدم تدارك أولوية الغذاء واستئصال وباء الفقر، فضلاً عن اصطدام ذلك التوجه برفض الشعوب التي تحتاج إلى المزيد من الرعاية والاهتمام.‏

وبينما تتركز بؤر الفقر المدقع حسب السجلات الرسمية للهيئات الدولية المعنية بقضايا الفقر والتنمية في حوالي 50 بلداً، فإن العدد مرشح إلى الزيادة في غضون السنوات المقبلة، إن لم تكن هنالك مبادرات جادة على المستوى العالمي لتخفيف وطأة الفقر والجوع، وإعطاء هذا الجانب الإنساني الأولوية القصوى في مشاريع التنمية، وليس نوعاً من «التشاؤم» فإن صراعاً عنيفاً سيشهده العالم في وقت قريب، فجميع المعطيات والمؤشرات تميل إلى هذا التوقع على ضوء زيادة عدد الأسر الفقيرة، وافتقارها إلى أدنى متطلبات المعيشة اليومية، فضلاً عن الصراع الأعنف على المياه والذي بدأ يظهر تدريجياً في منتصف الثمانينات حيث شح الموارد المائية وانخفاض المنسوب الجوفي، إضافة إلى الاعتداءات غير المشروعة من قبل بعض الدول على موارد دول الجوار.‏

وحالة الصراع والتسابق العالمي نحو مزيد من المزايا للدول القوية يجعل نداءات الشعوب الفقيرة في مهب الريح، ولايغفل في هذا السياق أن الأوضاع العالمية بكافة أطيافها لا تبعث على الارتياح، والاطمئنان شبه مفقود في ظل تعدد اهتمامات المنظومة الدولية وانصرافها نحو أمور عديدة، ومن يتابع ملامح الخارطة العالمية وتقسيماتها غير المتوازنة يلاحظ حالة الصراع وماراتون التسابق الذي تقوده دول قوية لتعزيز وجودها بقوة وتحقيق ماتطمح إليه من خلال تكتلاتها واتفاقياتها التي تكون وفقاً لمصالحها ورغباتها في السيطرة العسكرية والاقتصادية والسياسية مقابل حالة يصعب وصفها لشعوب فقيرة تولد لديها عنفوان الكراهية والسخط المبرر على أولئك الذين يتحكمون بمصيرها وجعلها في عيشة صعبة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية