تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عناد الأطفال .. هل يتحول إلى حالة صدامية مع الأهل ؟

مجتمع
الأربعاء 11-2-2015
فردوس دياب

يشكو الوالدان في بعض الأحيان من عناد أطفالهم وعصيانهم المستمر لأوامرهم، وهذا ما قد يخلق داخل الأسرة نوعا من التوتر والقلق والعصبية

التي سوف تتضاعف وتنمو عند طرفي العملية التربوية الأب والأم من جهة والابن من جهة أخرى‏

نتيجة إصرار كل من الطرفين على فعل ما يريده ، مع ملاحظة الفوارق بين الطرفين نتيجة تباين واختلاف الوعي والعمر والثقافة ، فتصرفات وسلوك الأبوين تكون مبنية على وعي وثقافة زمنية واجتماعية وتربوية ، فيما تكون تصرفات وسلوك الأبناء وخاصة إذا كانوا أطفالا صغارا عفوية وغير مقصودة، وهو الأمر الذي يحمل الطرف الآخر (الأب والأم ) المسؤولية كاملة عن تصرفات وسلوكيات أبنائهم سواء أكانت ايجابية أو سلبية، وبالتالي عليهم تحمل عواقبها وتداعياتها المستقبلية إذا لم يسارعوا إلى علاجها وحلها واحتوائها بالأساليب والطرق التربوية الصحيحة.‏

قسوة الوالدين ..‏

ويعرف العلماء وخبراء التربية وعلم النفس العناد بأنه عصيان الطفل للأوامر وعدم استجابته لمطالب الأبوين تحديدا وعموم الدائرة التي تكبره سنا عموما ، ويعتبر العناد من الاضطرابات السلوكية الشائعة التي قد تصاحب الطفل خلال فترة عمرية محددة وغالبا ما تكون عندما يبلغ الطفل سنته الثالثة ، أو خلال مرحلة عابرة ترتبط بحدث معين كردة فعل منه ، أو قد تكون صفة ثابتة ونمطا متواصلا في سلوك وشخصية الطفل.‏

أما عن أسباب مشكلة العناد لدى الطفل فهي متعددة ومتباينة في الدوافع والأسباب ، كإصرار الوالدين على الطلب من طفلهما تنفيذ بعض الأمور التي لا تناسب عمره وسنه ( الطلب منه مثلا أن يحمل أشياء ثقيلة أو أن يقوم بأمور يجهلها أو إرساله إلى البقالية ليلا لإحضار بعض الحاجيات دون أن يلاحظ الأهل أن طفلهم يكره الظلمة أو يكره التعامل مع صاحب البقالية أو يرفض شراء الخضروات وما إلى ذلك)، كما أن رغبة الطفل في تأكيد ذاته واستقلاليته عن الأسرة خاصة إذا كانت أسرته تتجاهل تلك الرغبة من شأنها أن تنمي حالة العناد وعصيان الأوامر عنده.‏

ومن الأمور التي تساهم في تنمية ظاهرة العناد عن الطفل هي قسوة الوالدين وتعاملهم الفظ والفج معه والتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياته وتقييده بالأوامر الضرورية وغير الضرورية، ذلك أن طبيعة الطفل ترفض التقييد والقسوة والمعاملة الفظة وتقبل الحب والوئام والحنان .‏

تغييرات سلوكية ..‏

إن بناء الإنسان وتربيته هي بلا شك من أصعب الأمور واعقدها، الأمر الذي يتطلب من الأهل مواجهة السلوكيات الخاطئة التي تعتري أبناءهم بمزيد من الوعي والصبر والحكمة بعيداً عن التذمر والغضب الذي ترتفع وتيرته عندما تظهر على الأطفال تلك السلوكيات التي يرفضها الأهل ظناً منهم أن طفلهم لا يخضع لأية تغييرات سلوكية وهو بالتالي ملزم بالعيش بالطريقة التي يحددونها له بشكل صارم ومنظم ولا يحق له مخالفة أية أوامر تصدر عنهم ،بالإضافة إلى أن الأهل غالبا ما يجهلون تلك المبادئ التربوية الصحيحة التي يجب أن يتبعوها لمواكبة التغيرات التي تطرأ على نفسية الطفل كشعور الوعي بالذات والشعور بالاستقلالية و إدراك و وعي العمليات التي يستطيع فعلها باستخدام طاقاته الذاتية، ولهذا السبب يطلق الكثير من علماء النفس على سنوات الطفل الأولى ( الفترة التي تقع بين السنة الثانية والثالثة ) تسمية الفترة الحرجة أو دور التأزم لان هذه الفترة تترافق مع ظهور أولى التناقضات بين مطالب الأهل ورغبات الطفل الجامحة التي تأخذ شكلا حادا بسبب تشكل شعور الاستقلال الذاتي لدى الطفل في هذا السن بالذات وزيادة نشاطه ، ومن هنا تظهر تلك الصعوبات في تربية الطفل أثناء هذه المرحلة بسبب عدم ملاحظة الأهل لهذا المنحى الجديد في تطوره النفسي وتلك الاستقلالية النامية لديه وعدم مقدرتهم على إدارك حقيقة أن الطفل لم يعد بمثابة الكتلة اللدنة التي تأخذ الشكل الذي يريدون والتي تسمح أن يصنعوا منها أي شيء ، فشعور الطفل بذاته الذي ينبعث من داخله يتطلب نشاطا كبيرا لذلك فعندما يقوم الأهل بالحد من استقلاليته واعتماده على ذاته ويحاولون المحافظة على نمط العلاقة التي تروق لهم أو يسعون لمعرفة وتحديد رغبات الطفل وتلبيتها بالكامل فعند ذلك يصبح الطفل صعب المراس متقلب الأهواء .‏

الحكمة والحب ..‏

وفيما يتعلق بعلاج مشكلة العناد عند الطفل فإنه يتوجب على الأهل تجنب الإكثار من الأوامر على طفلهم وعدم إرغامه على إطاعتهم واستخدام العبارات اللطيفة معه عندما يطلبون منه أن يحضر شيئا أو أن يفعل أمرا ما، مع الانتباه إلى أن العناد ضمن الحدود الطبيعية هو من أساسيات شخصية وطبيعة الطفل في السنوات الأولى من عمره .‏

ومن الأمور الضرورية التي يتوجب على الأهل الابتعاد عنها ظنا منهم إنها الطريقة الوحيدة لعلاج العناد هي تجنب ضرب طفلهم العنيد لان من شأن ذلك أن يزيد و يفاقم من المشكلة التي تستوجب صبر الأهل وحكمتهم لا انفعالهم وعصبيتهم ،ولعل خير وسيلة لمعاقبة الطفل العنيد هي حرمانه من بعض الأشياء التي يحبها شرط أن يكون هذا الحرمان فوريا يعقب سلوك الطفل العنيد وأنياً أي أن يستمر لفترة محدودة جدا .‏

نختم بالقول إنه ليس بالضرورة أن يصبح كل من يظهر العناد والعصيان من الأطفال في المستقبل طفلا جموحاً ذلك أن الجملة العصبية عند الطفل تأخذ بالترسخ تدريجيا لتنحو نزوات المشاكسة نحو السكون والضعف ثم إلى الزوال وعلى الرغم من ذلك فإن الطفل الذي تعود على نوبات العناد الهستيرية منذ صغره يحمل في داخله قنبلة موقوتة يمكن أن توقعه في حالة مماثلة من الهستيريا عند أول صعوبات حياتية جديدة يمكن أن يصطدم بها في كبره.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية