تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وقــد دنّسهم مال النفط.. مثقفـو الغرب في قبضة بائـع الغاز

ثقافة
الأربعاء 11-2-2015
ديب علي حسن

المال، المال، مال النفط الاسود وخزيه وعاره، لم يبق على شاطىء الخلجان التي ازهقت ارواح الالاف وهم يبحثون عن اللؤلؤ، ماتوا غرقا، خطفا، جوعا، تعبا لايهم، لكنهم صاروا عبيدا من جديد لمال كان يجب ان يغدق عليهم,

مال النفط والثروة التي بدت وكأنها خرافية، ويبدو انها كذلك، جاءت لتعري الطغمة الحاكمة هناك ولتزيد من بؤس وألم ومعاناة الفقراء هناك، وليته وقفت عند هذا الحد، الم يكن بدر شاكر السياب الشاعر العراقي الذي مات جوعا وقهرا ومرضا اول من نبه وصرخ بوجه هؤلاء المترفين بمال النفط؟ وها هو نزار قباني يعيد الصرخة قائلا:‏

يا تونس الخضراء هذا عالم‏

يثرى به الأمي والنصاب‏

فمن المحيط إلى الخليج قبائل‏

بطرت فلا فكر ولا آداب‏

في عصر زيت الكاز يطلب شاعر‏

ثوباً.. وترفل بالحرير قحاب؟؟؟‏

أنا يا صديقة متعب بعروبتي‏

فهل العروبة لعنة وعقاب؟‏

أمشي على ورق الخريطة خائفا‏

فعلى الخريطة كلنا أغراب‏

أتكلم الفصحى أمام عشيرتي‏

وأعيد... لكن ما هناك جواب‏

لولا العباءات التي التفوا بها‏

ما كنت أحسب أنهم أعراب‏

يتقاتلون على بقايا تمرة‏

فخناجر مرفوعة وحراب‏

قبلاتهم عربية... من ذا رأى‏

فيما رأى قبلا لها أنياب‏

لا تعذليني إن كشفت مواجعي‏

وجه الحقيقة ما عليه نقاب‏

فذنوب شعري كلها مغفورة‏

والله - جل جلاله - التواب‏

ترى ماذا لو ان نزار قباني كان حيا ليرى بعينيه ان القحاب لم تعد وحدها ترفل بحرير النفط ولا تمجد بقصور الخصاء، في مهالك الخليج، ماذا لو انه عرف ان مدينة النور والفكر والادب مدينة جانيت الوجودية (الهبية) التي اثارت جدلا فكريا بينه وبين مارون عبود، لو يعرف ان نورها صار دخانا، وان الوجودية صارت مالا نفطيا، فلا الاقبية ولا الشوارع ولا غيرها مصدر اشعاع فكري.‏

هناك الكذبة الكبرى التي ضج بها الغرب وصدرها الينا، مبادىء وحرية وافكار وديمقراطية ومواقف، فإذا بالذين نشروا الفكرة هم اول البائعين واول من تلوث بمال النفط الاعرابي، ملايين الدولارات اتت على النخب الفكرية والثقافية والسياسية في الغرب، ولم يعد لدينا من الدهشة ما يكفي لان نسأل ونتابع خزي مواقف كتابنا ومفكرينا ممن صنعناهم من وهم ومن غباء، اتانا الجواب بعد اربعة اعوام من الالم والمعاناة من مفكري الغرب الذين باعوا انفسهم لمركب الشيطان وماله، لا نأتي بشيء جديد ابدا انها الحقائق التي طفح بها كتاب (المحنة السورية لماذا اخطأ الغرب) وبغض النظر عما في الكتاب من مغالطات واشكالات ليست بريئة ومعلومات هي سم حقيقي وهو برأيي ليس بريئا، لكنه يقدم شيئا من الحقائق كعادة الغرب حين يريد ان يثبت مفاهيم معينة، ومع ذلك فان الاضاءات التي قدمها هي من الاهمية بمكان لتعرية المفكرين الغربيين وساستهم وانغماسهم بمال النفط والخليج، ولا يجد غضاضة ان يقف المؤلف عند ظاهرة المال القطري وما فعله بالنخب الباريسية.‏

يقول المؤلف في ص122: لمعرفة اسباب صمت الاعلام الغربي والمسؤولين عن صناعة القرارات والمواقف السياسية لابد من معرفة المجتمع الباريسي النخبوي المصغر والذي يسيطر على كل شيء هذا المجتمع بالكامل اصبح في مرمى الهداف القطري او الصياد القطري، الذي اغدق عليه الهدايا والدعوات الى المطاعم الفاخرة والى سفارة دولة قطر في باريس التي تحولت الى مطعم للاحتفالات وتقديم اللحم الحلال وغير الحلال، حتى عيد ميلاد سفير قطر في باريس صار موعدا مسجلا على جداول اعمال النخب الباريسية، كل هذا يجعلنا نفهم الغيظ الكبير الذي يصيب هذه النخب اذا ما تجرأ صحفي لاينتمي اليها على نقل او نشر اخبار ضد قطر, حتى تحول الولاء المدفوع الاجر لقطر يعرف باسم (جنون قطر او الحب الجنوني لقطر).‏

وفي مكان اخر من الكتاب يطلق اسئلته التي يعرف الاجابة عليها: هل يعقل ان باحثا اكاديميا فرنسيا كهذا يدافع علنا عبر وسائل الاعلام عن (الشيخ السوري الداعم للارهاب عدنان العرعور) الذي كان يدعو لقتل وذبح واغتصاب نسائهم، وهذه التصريحات كانت تجد طريقها الى صفحة الصحفي الفرنسي جورج مالبرونو والذي كان يباهي بأنه ينشر اقوال العرعور وخطبه ويخلص الكاتب الى طرح التساؤل التالي:ماذا يربط بين ما يجري من ارهاب وقتل في سورية ومبادىء الثورة الفرنسية التي تعلمها هؤلاء المثقفون الفرنسيون؟ ما الذي حدث في مخيلة هؤلاء المثقفين الفرنسيين ليقفوا الى جانب الفكر الارهابي؟‏

ما الذي حدث لابناء القارة الاوروبية الذين عاشوا قرونا يتغنون بعصور الانوار والحرية ليصل بهم الامر للتعاطف والدفاع عن شخص كالعرعور، خاصة اذا ما عرفنا انه ليس حملا وديعا، بل داعية للكراهية والتفرقة.‏

عود على بدء، بكل الاحوال الكتاب هام جدا لكن ليس للنشر هكذا بكل عجره وبجره، فما فيه من تثبيت لمصطلحات نعمل على محاربتها وهي طارئة على حياتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية، وكأننا نأخذ بها ونريد ان تكون موجودة، اكيد هي وجهة نظره لكننا لسنا معنيين بها، ولسنا معنيين ان يدس السم بعسل وافر ولكن قطرات السم اكثر فاعلية، كان من الممكن ان يترجم من قبل مركز دراسات ويوضع بين ايدي من يهمه الامر ويحلل خطابه ومفرداته، ثمة ثقوب صغيرة يراد لها ان تترسخ في ثقافتنا لتغدو ثغرات نحن بغنى عنها، هي وجهة نظر ربما ذهبت بعيدا في الخطأ لكنها قابلة للنقاش اعني ما كتبته.‏

‏

dhasan09@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية