تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«أشجان عضـو مُنتَسبْ» لـ «قنديل أم هاشم»..

ثقافة
الأربعاء 11-2-2015
هفاف مهوب

«أغلب أحاديثنا وبعد كلمتين لاغير, تتحوَّل من الموضوع أياً كان, إلى الذات, الشكوى, الافتخار, ولكني أحسُّ أنهما ينبعان من نزعٍ متكتِّمة, استجداءَ تبرير الوجود.

لقد عرفتُ مقامي مُذ وعيتُ هذا العرق الذي ينبضُ في روحي. لستُ من المُلهَمين, ولا لي صاحب وادي عبقر. الإلهام نورٌ ساطعٌ كاشفٌ لجميع آفاق الروح والعالم. يهبط على من يختاره, دون سببٍ ظاهر, فيتلقَّاهُ بغيرِ سعيٍ منه إليه. ماأبعد الفرق بين هذا النور وبين أزيز الشرارة الخاطفة التي أحسُّ بها وهي تتَّقد أحياناً ثمَّ تنطفئ وتتركني في الشقاءِ حتى يتفصَّد العرق من جبيني, ومن أجل أن أصل إلى هذا الكثير الذي رأيته, بل حدسته من بعيد, كأنني أنحتُ في صخرٍ...»..‏

من يقرأ هذه الكلمات يتساءل: ياتُرى هل هي سيرة ذاتية أم حديث عن النفس؟. هل هي شكوى أم شرح ما أرادته الأقدار, أم افتخار»..‏

ببساطة, هي «أشجانُ عضوٍ منتسب».. الأشجان التي وإن اعتُبرت سيرة ذاتية, كتبها الأديب «بديع حقي» إلا أنه اعترف بأنه وعندما كتبها, لم يتزين كي يفتتن به القارئ, وإنما لجأ إلى حيلةٍ بسيطة, وهي قصّ قطعٍ كان قد كتبها ونُشرت في الصحف والمجلات. قصّها ولصق بعضها إلى بعض مضيفاً هنا, منقِّحاً هناك.‏

إذاً, صورة «حقي» في هذه الأحاديث مأخوذة خطفاً, ولذا فهي أصدق بالكلمات. تلك التي أعلن براءتهُ من تبرُّجها, ومن قياسها على سنين عمره, إلا ماكتبه منها لحظه ولادة أشجان جديدة, اندلعت من روحه استرضاءً للحظات.‏

في هذه الأشجان, يروي «حقي» كلّ مامرَّ في حياته ومنذ ولادته ومن ثم دراسته وصولاً إلى من تعرَّف عليهم واستحقُّوا أن يذكرهم بودٍّ في مذكراته.. يروي أيضاً, أحلامه, طموحاته, مراحل تطور الكتابة لديه. كتابة القصة وبعدها الكتابة بكل أنواعها.‏

«بدأتُ أكتبُ في سنٍّ مبكرة, في حوالي السادسة عشرة. معظم كتاباتي في تلك المرحلة كانت تجارب ساذجة لم أُعنَ بجمعها أو الاحتفاظ بها, ثمَّ بدأتُ أكتب القصة القصيرة, منذُ كنتُ طالباً بمدرسة الحقوق, وكنتُ متأثراً في كتابتها بالأدب الروسي أكثر من تأثري بالأدبين الإنكليزي والفرنسي, فقد وجدت في هذا الأدب, أن كل شخص تقريباً, مشغول بقضية كبرى هي قضية خلاص الروح».‏

هكذا بدأ «حقي» حياته الأدبية, ليكون تنقُله في دولٍ عديدة, هو من ساعده على الاتصال بالحضارة الأوروبية, والتعرفِ على عصرِ النهضة... العصر الذي نقل أوروبا بأكملها من الظلام إلى النور, والذي كان يشعر وهو يغرقُ فيه, بأن في داخلهُ «شيئاً صلباً لاينهصر بسهولة لطالما, كان قد وصلَ الغرب حاملاً أكبر قدرٍ من شمسِ بلاده. تلك التي لم ينقطع عن التفكير بها وبأهلها من الفقراء الذين يعيشون على كفاف يومهم, وبأحاسيسٍ جسَّدها في «قنديل أم هاشم» الرواية التي لايمكن أن يُذكر اسمه إلا ويُذكر معه اسمها.‏

«حاولتُ البحث عن سبب قوة تأثير قنديل أم هاشم, لم أجد ماأقوله سوى أنها خرجت من قلبي مباشرة كالرصاصة, وربما لهذا السبب, استقرت في قلوب القرَّاء بنفس الطريقة».‏

هذا ماقاله عن هذه الرواية التي تلاها بالعديد من القصص والكتب التي أكّد في أغلبها, على ضرورة الاهتمام باللغة العربية وأسرارها. اللغة التي وجد فيها «عبقرية قادرة على الاختصار الشديد مع الإيحاء القوي».‏

نعم, لقد اهتمَّ «حقي» كل الاهتمام باللغة العربية, بدقَّتها وعمقها وصدقها وأساليبها وألفاظها ومعانيها. اهتمَّ بها حدّ قناعته بأن الكاتب الذي لايجيد استخلاص روحٍ منها, غير جديرٍ بتقديمِ إبداعٍ يليق بها. أيضاً حدّ اشتراطه:‏

«ألا يبدو على الكلام أثرٌ من عَرقِ الكاتب وجهده, بل لابدَّ أن يختفي هذا كله, حتى ليبدو الأسلوب شديد البساطة, وبلغةٍ لها أنغامٌ تُحسُّ ولاتُسمع.. تماماً كما عزفُ العود لايُسمع خبط ريشته, والكتابة لايُسمع صريرُ قلمها».‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية