تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الإرهاب... صيغة قاتلة في المشروع الاستعماري

متابعات سياسية
الأربعاء 11-2-2015
بقلم: د. أحمد الحاج علي

لن تعاند قوى الشر طبيعتها العدوانية والتي تقوم أساساً على فكرة الهيمنة على الآخرين والنظرة إليهم على أنهم كميات بشرية لا تصلح إلا للدوران في فلك المعتدي القوي

ولا تمتلك من مقومات الوجود البشري سوى مقدرتها على الاقتتال الداخلي وعلى إنجاز مناخات من الرعب والأحقاد كبديل عن روابط الثقافة والتاريخ والقيم الروحية والاجتماعية وبهذا المعنى فإن النظرة المعادية ترى في الآخر كمية بشرية لابد أن تنضبط على معايير المستعمر وترى في ثروات الآخر الكامنة أو الظاهرة المستثمرة أو المعطلة على أنها طاقات لابد أن تخدم التطور المادي والصناعي في دول الاستعمار وأن تنقذ الإنتاج الصناعي لتلك الدول من مطبات الركود أو الانكفاء أو التوقف الاجباري وهذان العاملان أعني امتهان الإنسان ونهب ثرواته يشكلان خطة متلازمة الأبعاد وتتحول هذه الخطة بالتدريج إلى منطلق متجذر سرعان ما تحكمه الغريزة والشهية المفتوحة على القتل والنهب، ومع استمرار الزمن تتحكم الغريزة الاستعمارية بالمفاهيم السياسية والقيم التابعة لها في تلك الدول أي إنها تصل إلى المرحلة التي لا تحتاج فيها الجريمة إلى ذريعة أو سبب بحكم حالة الإدمان التاريخي وبحكم ردود الفعل المتناثرة والخافتة في الوطن العربي على سبيل المثال.‏

وقد اكتشفت القوى الاستعمارية الغربية والصهيونية أنه لا بد من البحث عن عوامل إضافية تغطي مشروعهم وتؤمن له مساحة من السيطرة على الوطن العربي من خلال التطلع إلى العوامل الثلاثة التالية، والعامل الأول هو أن يتم بناء وتطوير وترسيخ قوى من الداخل الوطني العربي من حيث الوجود والانتماء والموقع لكنها من حيث الموقف والدور فهي تابعة للأجنبي تأتمر بأوامره وتنفذ مراحل خططه الاستراتيجية والمرحلية ولهذه القوى في الداخل العربي مهمة أساسية تتمثل في الانفجار والانتشار عند اللحظات الخطرة والنوعية في المشروع المعادي.‏

هناك أنظمة سياسية بالكامل تدخل في هذا الاتجاه وعلى سبيل المثال لا الحصر النظام الأردني في الجوار ونظام آل سعود ونظام آل ثاني في الخليج العربي إضافة إلى التنظيمات السياسية التي تخدم هذا الاتجاه أيضاً والتي تتمثل بالحركة الوهابية تاريخياً وبتنظيم الإخوان المسملين العالمي وبحركات وقوى أخرى أخذت موقعها في الداخل العربي وضبطت دورها على أساس متطلبات وأوامر القوى المعتدية من الخارج.‏

ثم يأتي العامل الثاني وهو الذي يتكون من أدوات إرهابية في الميدان مباشرة أي أنه عامل تنفيذي يقتل، يدمر، يذبح، ينتهك الحرمات ويعطل مصالح الناس ومسيرة البناء الاقتصادي والاجتماعي وهذا هو موقع القوى الإرهابية من حيث نوعيتها ودورها ومن حيث انضواؤها في المشروع العدواني حسب البرنامج المقرر لهذه القوى وتبعا للدور الوظيفي عند كل مرحلة ومنعطف، أما العامل الثالث فهو بدعة الغطاء الفكري والأيديولوجي لهذه القوى الداخلية في الوطن العربي وهكذا خطفوا الدين الإسلامي السامي والحنيف وسخروه لأهدافهم ومآربهم تحت مبرر أن الإرهابيين هم جهاديون يلبون أوامر الله ويطبقون شرعه على الأرض كما يطرحون أنفسهم على أنهم مدى إنساني يتجاوز المفاهيم الوطنية والسيادة القانونية لأنهم ينتمون إلى مبدأ هو (الإسلام) وهذا ما يؤمن لهم شرعاً بنية عالمية تستدرج كل المتطرفين والشاذين والمرتزقة الذين يقايضون على الموقف بالمال الحرام.‏

وها هم يجاهدون في مناطق عربية لنشر الإسلام الفكر والإسلام الدعوة كما يزعمون وهكذا نلاحظ بكثير من العمق وكثير من الأسى أن هذا المشروع في عضوية المصدر ووحدة الهدف عبر تكامل العدوان من الخارج والداخل قد أدى إلى نتيجتين خطيرتين الأولى منهما ممارسة القتل والتدمير دون التورط فيه بشرياً من قبل الاستعمار الغربي فهناك من يقاتل تحت الظلال المسمومة لهذا المشروع وهناك من يمول ويقدم السلاح ويوظف الميديا الإعلامية على المستوى العالمي لصالح هذا المشروع.‏

إن الغرب بهذا المعنى ينطبق عليه المثل الذي يقول يقتلون الإنسان ويمشون في جنازته مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإنسان المتوجب قتله هنا هو ملايين العرب من أصحاب الأوطان التاريخية والثقافة التي تقوم على البناء والحضارة والسلام والمساواة الإنسانية هؤلاء جميعاً ومعهم القيم والذاكرات التاريخية لابد أن تطبق عليهم دوافع الإبادة البشرية والمحو للذاكرة الحية والاستعداد لمن يتبقى من هذه الملايين أن يلتحق بالمنظور الجديد للمشروع الغربي الصهيوني إن كان لديه ميل غريزي للبقاء على قيد الحياة يأكل ويشرب ويتكاثر وقد اعتنق الحدود الجديدة للمشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي، وأما النتيجة الثانية فقد سعى الغرب بكل قوته وقواه وبالخبرة العاتية التي تحصلت له عبر مئات السنين من قهر الآخر وتضيع كرامته وسد منافذ السيادة عنه، سعى إلى أن يستحدث المتلازمة العضوية بين قوى الإرهاب والغطاء الإسلامي المفتعل والمخطوف وعبر ذلك كان هناك على الدوام من يقتل وينهب نيابة عن القوى الاستعمارية الأصلية وهناك على الدوام من يعثر على النص الأيديولوجي الكفيل بتغطية القتل وتسويغ استمرار الجريمة كانت تلك ملامح تستغرق العناوين الهامة للمشروع الإرهابي الذي ابتكر فيما بعد أسلوب القصف بالقذائف والصواريخ على المدن وعلى المدنيين كما حدث في دمشق واللاذقية وحلب مؤخراً لكن ذلك مات في لحظة اندماجه في المشروع الاستعماري.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية