تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل نعزز ثقافة الحوار في دخل الأسرة..!!؟

مجتمع
الجمعة 8-7-2011
محمد عكروش

الأسرة هي عالم الفرد في فترة طفولته ومرجعه في فترة مراهقته وملاذه في شبابه وهي المكان الذي تصاغ فيه شخصيته وتصقل عبر سلسلة من التفاعلات بينه وبين الوالدين والإخوة والأقران.

فهذه العلاقات في العائلة‏

والتي يجب أن تتسم بالاحترام والتشجيع والتي تقوم على الحوار هي التي تضع حجر الأساس لشخصية متوازنة سوية منذ الطفولة.‏

فهل تعاني العائلات في مجتمعنا من غياب ثقافة الحوار؟ وما العواقب المترتبة على هذا؟ هناك استفسارات كثيرة بهذا الشأن، فكيف يراها أطباء العائلة؟ التقينا الدكتورة حياة سعد اختصاصية في طب العائلة لنسألها:‏

الحوار... هل هو الحديث المتبادل بين أفراد العائلة؟ ومتى يجب أن نبدأ به؟‏

للحوار مفهوم أوسع وأشمل بكثير من مجرد الحديث المتبادل. الحوار بالتعريف: هو تفاعل لفظي وغير لفظي (نظرات العيون - إيماءات الجسد – مشاعر ودية) بين اثنين و أكثر بهدف التواصل وتبادل الأفكار والمشاعر والخبرات.‏

وهذا الحوار يبدأ منذ الطفولة وحتى الطفولة المبكرة عندما أتحدث مع الطفل الرضيع وأغني له وانظر في عينيه فأنا أتواصل معه وأبادله المشاعر.‏

فالحوار الناجح في مرحلة المراهقة والشباب يجب أن نبدأ به منذ الطفولة.‏

برأيك هل نحن نحتاج لاعتماد ثقافة الحوار في مجتمعنا؟‏

طبعاً. نحن نحتاج جداً لهذا، فمجتمعنا لم يدرك أهمية ثقافة الحوار حتى وقت متأخر، لذلك أود أن أركز على أهمية الحوار في العائلة التي تأتي من أن هدفنا في كل عائلة هو أن نساعد على صقل وتنمية شخصيات قوية اجتماعياً ونفسياً وفكرياً وإطلاقها للمجتمع.‏

فدور الحوار هو تعزيز الثقة والاستقلالية لدى الأبناء وتدعيم العلاقات الأسرية وتنشئة جيل نشأة سوية متوازنة، وبالتالي ينشأ مجتمعاً مكوناً من علاقات صحية وصحيحة.‏

فالعائلة التي تتبنى لغة الحوار هي عائلة كل طرف فيها يفهم الطرف الآخر ويحترم رأيه ويتقبل نقده وهذا بدوره يساهم في حل الكثير من المشكلات وفهمها، وبالتالي يؤدي إلى تحرير أبنائنا من القلق والمخاوف ويخفف من مشاعر الكبت والعدوانية، فعندما يعاني الطفل أو المراهق من أمر يسبب له التوتر ويتعلم كيفية التعامل مع هذا الأمر وإمكانية إيجاد الحلول الممكنة من خلال الحوار، وهذا سيساعده هذا كثيراً على تنمية ثقته بنفسه وبأفراد عائلته وتحرره بالتالي من مشاعر الغضب والعدوانية التي تنمو داخله نتيجة كبت مشاعره وخوفه واضطرابه.‏

برأيك لماذا تعاني العائلات في مجتمعنا من غياب ثقافة الحوار؟ وما العواقب المترتبة على هذا؟‏

غياب الحوار يحدث نتيجة الرفض المتبادل بين الأطراف المتحاورة أو النبذ (الإهمال المتعمد) أو اليأس من جدوى الحوار، فأنا عندما أشعر أن الحوار لن يغير شيئاً أو أنه سيكون غير فعال، لا ألجأ له لذلك يحدث الصمت بين الآباء والأبناء وبالتالي تضعف العلاقة بينهما ويتلاشى دور الآباء في تربية أبنائهم وتنشئتهم تنشئة سوية.‏

أغلب العائلات في مجتمعنا لديها حوار ولكن من طرف واحد، أي من الآباء فقط الذين يستخدمون لغة الأمر والنهي، فالأب يتكلم أمام أبنائه وليس معهم من باب التسلط وهذا في الواقع ليس حواراً بسبب غياب عنصر التبادل وهذا أساسي في أي حوار.‏

لماذا يغيب عنصر التبادل أو لماذا يكون الحوار من طرف واحد؟‏

هناك عدة أسباب، سأذكر مثلاً ثقافة الأب في مجتمعنا تقوم على صورة الأب الذي يأمر وينهي وعلى الأبناء أن ينفذوا هذه الأوامر فقط وينطبق أيضاً، هذا الأمر على علاقته بزوجته أيضاً فعندما يرى الأبناء طريقة التعبير عن الخلافات العائلية ووجهات النظر بين الزوجين التي تقوم على أساس التسلط من الأب أو الأم سيؤدي هذا إلى ضعف ثقة الأبناء بجدوى الحوار لأنهم سيدركون أن الآباء لن ينصتوا لهم، أو ربما سيكون حواراً محبطاً بسبب العبارات السلبية أو المؤذية التي سيوجهونها لهم، بالإضافة إلى المبالغة في التوجيه وتقديم النصائح غير آخذين بعين الاعتبار قدرة الأبناء على الفهم والإدراك وإدارة حياتهم بشكل جيد، كما أن هناك مقارنة الأبناء بأقرانهم الشيء الذي قد يفعله الآباء كثيراً سيؤدي إلى تعميق الهوة بينهم وبين أولادهم.‏

أحياناً يكون الآباء معدومي القدرة على إجراء حوار مع أبنائهم لأنهم لم يمارسوه في عائلاتهم, أوليس لديهم الوقت نتيجة ضغوط الحياة والعمل أو بسبب إحساسهم بعدم جدوى الحوار,لأنهم يعلمون مسبقاً أن الأبناء لن يقتنعوا بكل ما يقولونه فيتجنبون الحوار معهم.‏

ولا ننسى أهم نقطة وهي عدم الالتزام بآداب الحوار وقواعده وهذا سيؤدي مرة بعد أخرى إلى إضعافه وبالتالي إهماله ثم غيابه في العائلة.‏

إذاً هناك آداب للحوار، أو قواعد.. ما هذه القواعد؟‏

هناك قواعد جوهرية في الحوار إذا التزم بها الطرفان سيكون هناك حوار ناجح وفعال:أهم هذه القواعد هي أن يكون الحوار جذاباً وذلك يحدث بالاستماع الايجابي ويكون أولاً بعدم التعالي وإظهار المشاعر الودية أثناء الاستماع مع الجلوس والنظر في عيني الابن مباشرة، والسماح للأبناء بالتعبير عن مشاعرهم و آرائهم مهما كانت مع ضبط انفعالاتنا وإظهار الحب والقبول لهم، وتوجيه النقد للسلوك وليس للشخص كأن أقول لابني تصرفك بهذا الأمر كان سيئاً وليس أنت شخص سيئ فالنقد يكون للتصرف وليس للشخص كحكم مطلق لأنه سيؤدي إلى إحباط الطفل وقطع دائرة الحوار معه, كذلك هناك قاعدة جوهرية مهمة وهي أن نعترف بأخطائنا كآباء إذا اقترفنا أي خطأ هذا سيجعلنا قدوة لأبنائنا بالاعتراف والاعتذار عن أي خطا قد يرتكبونه، فالأبناء يتعلمون بالقدوة أكثر من الكلام والنصح فقط، ولا ننسى دائماً أن نستخدم في حوارنا معهم ألفاظاً واضحة ومفهومة وغير مبهمة حسب عمر الابن ودرجة استيعابه‏

رأينا أن الحوار مهارة يجب على الطرفين أن يتقناها كيف نستطيع إتقان مهارة الحوار؟‏

الحوار تواصل يتم بين طرفين لذلك على الطرفين أن يتعلما مهارات الحوار, لكني أرى أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الآباء الذين يدركون أهمية هذا الأمر ويعلمونه لأبنائهم بالقدوة أولاً، فأنا كأم أعلم أولادي مهارة الإصغاء عندما أصغي لهم بكل اهتمام، كذلك مهارة البدء بالحديث وإدارة هذا الحديث يتم تعلمها من خلال جلسات النقاش الأسرية التي تطرح مواضيع مختلفة وتسمح لكل فرد من العائلة أن يشارك برأيه ومشاعره مع احترام هذا الرأي رغم الاختلاف الذي قد يكون موجوداً.‏

وأضافت لتقول: تعليم هذه المهارات يجب أن يتم منذ الطفولة الأولى وذلك باللعب مع الأبناء ومشاركته بقراءة القصص ومناقشتها معهم.‏

وفي عمر المراهقة على الآباء أن يدركوا ويتذكروا دوماً ان الابن هو مدير نفسه وليسوا هم، لذلك عليهم استخدام هذه المهارات أيضاً باختيار الوقت المناسب لهم وللأبناء للبدء بحوار والانتباه الى عدم بدء الحديث باتهام لهم، وعدم الاكتفاء بالكلام بل الإنصات لهم وإعطاء الابن الراحة للحديث عن مشاعره دون نقد جارح, وبهذا أعلمه كيفية إدارة مشاعره بطريقة صحيحة (أي معرفة شعوره – فهم هذا الشعور- طريقة التعبير الصحيحة عنه)، وانتبه أثناء الحديث لنغمة الصوت ونظرات العينين التي تعطي الانطباع عن ودية هذا الحوار وجاذبيته.‏

مهارة أخرى ضرورية وهي أن يتحدث الآباء عن تجاربهم اليومية والأحداث التي جرت معهم لأبنائهم ومشاركتهم آرائهم وتعليقاتهم هذا يزيد من ثقتهم بأنفسهم ويعمق العلاقة معهم.‏

في النهاية أشارت د. سعد علينا كآباء أن نضع أنفسنا مكان أبنائنا حتى نستطيع فهم مشاعرهم ووجهات نظرهم وننزل إلى مستواهم العمري بألا نتحدث إليهم بتعال وكبرياء ناقد الذي يعتبر من أسهم الحوار الطائشة.‏

ماذا قصدت بأسهم الحوار الطائشة؟ هي الأسهم التي تدخل في قلب الحوار وتؤدي إلى إنهائه أو إضعافه وهي السباب أو الألفاظ البذيئة والجارحة أو حتى السلبية منها (أنت فاشل- كسول....) كذلك السخرية وهي أسلوب مهين جداً قد يؤدي إلى تجنب الحوار أو غيابه، اللوم والتوبيخ دوماً وهذا يضعف الحوار مرة بعد أخرى ويؤكد للأبناء عدم جدواه، والتوقع السلبي فعندما أدخل الحوار بتوقع سلبي لن أحصل حتماً على الفائدة المرجوة منه، وأيضاً الصراخ ونبرات الصوت العالية، المقارنة بالآخرين التي قد تؤذي الأبناء جداً وتجعل نظرتهم لأنفسهم متدنية وتؤدي لإضعاف ثقتهم بنفسهم، كما التهديد المستمر سيؤدي الى كبت مشاعر الأبناء وعدم التحدث عنها وبالتالي ستصبح علاقتهم مع آبائهم هشة، بالإضافة لأن هذا سيؤدي لظهور مشاعر الغضب والعدوانية نتيجة هذا الكبت‏

أخيراً‏

إذا أردنا مجتمع حضاري يقوم على احترام الآخر وفهمه وقبول وجهات نطره علينا أن ندرك أهمية الحوار ونتعلم ونعلم أبنائنا مهاراته وندرك يقيناً أن أساس المجتمع السليم المتطور هو العلاقات العائلية المتوازنة الصحية التي تُخرج للمجتمع جيل من الشباب واثق بنفسه وقادر على إدارة حياته بنجاح وهذا سيدعم مجتمعنا ويدفعه للرقي والتقدم‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية