تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حقول غاز المتوسط.. إشكالية شرق أوسطية جديدة

شؤون سياسية
الجمعة 8-7-2011
د. محمد البطل

تثير اكتشافات حقول الغاز في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط إشكاليات حول ملكيتها القانونية، وكيفية تقاسمها بين الدول المعنية من جهة، والمتطلبات البنيوية التحتية الضرورية

لاستخراج الغاز واستثماره أو تصديره من جهة ثانية. وتزداد قضية هذه الاكتشافات تعقيداً في ظل الخلافات القائمة بين دول شرق البحر المتوسط والكيان الإسرائيلي، واستمرار الصراع العربي – الإسرائيلي، وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.‏

فقد برزت هذه الإشكاليات مع الإعلان الإسرائيلي، قبل أكثر من عام، عن اكتشاف حقلي “إيتمار” و “لفيتان” الغازيين، وتقدير حجم احتياطيهما بـ 8 مليار متر مكعب للحقل الأول و 453 مليار متر مكعب للحقل الثاني، وتالياً كيفية تقاسم هذه الاحتياطات واستثمارها. هذا ويتموضع الحقلين شمال مدينة حيفا، في منطقة متشابكة مع الحدود البحرية اللبنانية، وصنف اكتشافهما بأنه: (الاكتشاف الأهم في مجال الطاقة في العالم في العقد الأخير). وازدادت هذه الإشكاليات تعقيداً قبل أسابيع قليلة، مع إعلان الكثير من المختصين بأن امتدادات هذين الحقلين تتجه شمالاً وصولاً إلى الحدود البحرية السورية وربما التركية وقبالتهما أيضاً.‏

مما يعني اتساع دائرة الدول المعنية بهذه الحقول.‏

وكان وزير البنى التحتية الإسرائيلية عوزي لاندو قد أعلن في سياق رده على التصريحات الرسمية اللبنانية حول ملكية هذه الحقول بأن: (إسرائيل مصممة على العمل بكل ما يلزم من قوة سواء في مواجهة لبنان، أو أي بلد آخر للدفاع عن حقول الغاز في شرق البحر المتوسط).‏

وأتبعت إسرائيل تصريحات زعمائها التهديدية بترسيم حدودها البحرية مع قبرص، تجاوزت من خلاله الكثير من قواعد القانون الدولي، وصولاً إلى تعديات على حقوق الدول الأخرى (راهناً لبنان وتركيا التي احتجت على الاتفاقية القبرصية – الإسرائيلية لترسيم الحدود البحرية) مع احتمال اتساع دائرة الدول المعنية بهذه الاكتشافات وبضمنها سورية.‏

وأياً يكن حجم الاكتشافات الغازية جغرافياً، والاحتمالات الكبيرة جداً لتوسع دائرة الدول المعنية بهذه الحقول الغازية الراهنة، والمتوقع اكتشافها أيضاً، فإنه لا بد من الإشارة إلى عدد من المسائل، منها:‏

- توقيع لبنان على اتفاقية قانون البحار الدولية الذي يرسم الحدود البحرية، وتالياً طبيعة الدول المعنية بهذه الاكتشافات استناداً إلى القوانين الدولية، في الوقت الذي مازالت فيه إسرائيل ترفض التوقيع على هذه الاتفاقية، كما رفضت ولا تزال التوقيع على الكثير من المعاهدات الدولية الأخرى.‏

- تجاهل إسرائيل للقوانين الدولية وحقوق دول شرق المتوسط في هذه الاكتشافات، وممارستها السلوك الاستيطاني بحرياً في شرق البحر الأبيض المتوسط، تماماً كما تمارسه في الأراضي العربية المحتلة.‏

- حاجة إسرائيل الماسة إلى مساعدة الشركات الدولية المعنية باستخراج واستثمار حقول الغاز والحصول على موافقتها، وضرورة توافق الدول المعنية بهذه الحقول تطلبه وتصر عليه الشركات الاحتكارية الدولية في قطاع الطاقة.‏

- ما تضيفه هذه الاكتشافات الغازية الهامة من عنصر إشكالي جديد، يضاف إلى إشكالية الصراع العربي – الإسرائيلي وعنوانها العودة إلى المرجعية الدولية وقراراتها، وضرورة الالتزام بقوانينها وأنظمتها، كذلك الاتفاقيات الدولية التي تمس أيضاً الكثير من عناصر هذه الإشكاليات.‏

هذه المسائل وغيرها باتت تتطلب مواقف من الدول المعنية بتبعات هذه الاكتشافات الغازية، وكيفية التعاطي معها، بدءاً من لبنان الذي تمس الممارسات الإسرائيلية وتجاهلها للقوانين الدولية سيادته، وبالتالي ضرورة توافق لبنان بجميع مكوناته لمواجهة هذا الصلف الإسرائيلي. كذلك التشاور بين دول شرق البحر المتوسط الأخرى بهدف التوصل إلى موقف توافقي جماعي للتعامل المشترك حول هذه الحقول استناداً إلى اتفاقية قانون البحار والالتزام بها.‏

إضافة إلى مسألة هامة، تكمن في إيضاح هذه المسائل الآنفة الذكر للشركات الدولية المهتمة باستخراج مصادر الطاقة (نفط، غاز) وتالياً مخاطر تعاطي هذه الشركات مع قضايا استثمار هذه الحقول بعيداً عن القوانين والاتفاقيات الدولية.‏

بقي أن نشير إلى الصعوبات التي تواجهها إسرائيل في مجال استخراج واستثمار حقول الغاز المكتشفة، إذ أعلنت خبيرة الطاقة في جامعة حيفا برندا شافر إلى أن: (هذه الاكتشافات تتطلب تطوير البنية التحتية الملائمة، لا سيما في ما يتعلق بإقامة مراكز للغاز المسال.. إن تصدير الغاز إلى أوروبا تبدو ضعيفة، وأما السوق الآسيوي فإن إسرائيل ستضطر إلى منافسة عمالقة الدول المصدرة للغاز قطر، روسيا، أوستراليا). وهذا ما يفترض بدول شرق البحر الأبيض المتوسط الاستفادة منه واستخدامه كورقة ضاغطة أيضاً.‏

باحث في الشؤون الدولية‏

Batal-m@scs-net.org

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية