|
دراسات في القرن 21 الصادر في موسكو عقب زيارة الرئيس الصيني لروسيا في مطلع تموز ,2005 بعد ذلك تابعت أميركا الدلالات السياسية والعسكرية المستفادة من المناورات العسكرية الصيفية الروسية التي جرت في منتصف آب ,2005 وقابلت هذا الحراك السياسي الصيني الروسي بإرسال رايس وزيرة الخارجية الى دول آسيا الوسطى التي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي في الأسبوع الثاني من تشرين الأول 2005 في محاولة لكشف الحقائق الجديدة الناجمة عن التفاهم الروسي الصيني بينما طار رامسفيلد الى بكين في 18/10/2005 في أول زيارة له للصين منذ تسلمه مسؤولية البنتاغون وزارة الدفاع في حكومة بوش, والاقتحام الأميركي للمنطقة يتم عبر أساليب أصبحت معروفة: الدعوة الى تطبيق الديمقراطية وعرض المساعدات لقاء القواعد وشراء ذمم المعارضة في دول المنطقة. بدأت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس جولتها في قرغيزستان في آسيا الوسطى, تهدف الزيارة حسب تصريحات الوزيرة الى تشجيع الديمقراطية في المنطقة واحتواء الجماعات الاسلامية المعارضة للنفوذ الأميركي والفساد الموروث والخوف من سيطرتها على الحكم. وقعت رايس مع الرئيس القرغيزي كرمان بك باكاييف بيانا مشتركا يتعهد بتمكين القوات الأميركية من استخدام قاعدة ماناس الجوية إلى أجل غير مسمى في العمليات العسكرية في أفغانستان وهو مكافأة متوقعة بعد إلغاء القاعدة الأميركية في كازاخستان, وتريد رايس تعزيز الحقوق الأميركية في القاعدة التي تدفع الإدارة الأميركية من 40 الى 50 مليون دولار سنويا لاستخدامها, خصوصا بعدما قررت حكومة أوزبكستان وقف استخدام القوات الأميركية لإحدى قواعدها وقال باكييف إن استمرار الوجود العسكري الأميركي يعتمد مباشرة على الوضع في أفغانستان. والقاعدتان الأميركيتان في قرغيزستان وتلك التي ستصفى في أوزبكستان وثالثة في أفغانستان تستخدم كلها في العمليات العسكرية في أفغانستان والمستمرة منذ أربع سنوات. وكانت الخلافات بين واشنطن وعواصم آسيا الوسطى على القاعدة الأميركية بدأت هذا الصيف عندما قررت منظمة شانغهاي التي تسيطر عليها روسيا والصين أن تطلب من الولايات المتحدة الانسحاب من قواعد في أوزبكستان وقرغيزستان, وفي قرغيزستان أيضا قاعدة روسية استمرت في محاولة للتوازن بين روسيا وأميركا. وعن هذا قال باكييف: لا نستطيع القول إننا نفضل روسيا على الولايات المتحدة أو العكس, قرغيزستان ستبقى على علاقة متوازنة ومتساوية مع كل الدول التي تتعاون معها جماعيا أو أحاديا. وقالت رايس لمئات الجنود الأميركيين في قاعدة ماناس ومعهم جنود فرنسيون واسبان إنهم يساهمون في حماية الديموقراطيات الجديدة الوليدة الناجمة عن سقوط الاتحاد السوفييتي السابق. وأضافت رايس: قرغيزستان نفسها ستشهد ثورة مذهلة إذا استطاع الشعب القرغيزي الوفاء بوعد الديمقراطية وتبني الاصلاحات في البلاد. وفي طاجيكستان التقت رايس الرئيس القازاخي نور سلطان نزار باييف وكررت المعزوفة المعروفة وهي أميركا سوف تتمسك بالديمقراطية سواء في الشرق الأوسط أو في آسيا الوسطى, ورفضت اتهام المعارضة بأن الاهتمام الأميركي في آسيا الوسطى يقتصر على النفط ودور المنطقة المحور في الحملة على الارهاب, وقالت: سنضغط لإجراء انتخابات حرة وعادلة هنا كما نضغط لإجراء انتخابات حرة وعادلة في كل مكان من العالم, لو كنا نهتم فقط بالنفط والحرب على الارهاب لما كنا نتحدث بالطريقة التي نتحدث بها عن الديمقراطية, لم نسمح قط لتلك المصالح بأن تأتي في طريق دفاعنا العلني والواضح عن الحرية, وفي المقابل دافع نزار باييف عن الانتخابات وما اعتبره اتجاها عاما الى مزيد من الانفتاح السياسي في بلاده, وقال لمراسل أميركي: الأمر عائد اليكم إذا كنت ألبي تعريفكم للديكتاتور لكن لدينا أحزاب سياسية, لدينا معارضة تنتقد السلطات تستطيع الحصول على صحف معارضة أينما شئت وشدد على أن حرية التعبير ليست حرية المعلومات المضللة. أنهت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في طاجيكستان جولتها الآسيوية في 16/10/2005 ودعت الرئيس إمام علي رحمانوف الى تنمية الديمقراطية في هذه الجمهورية السوفييتية السابقة, في العاصمة الطاجيكية دوشانبه, حرصت رايس على القول إن وسط آسيا منطقة لم تكن تملك ماضيا ديمقراطيا..الأمر المهم هو أخذ هذه البلدان على ما هي عليه, المهم أن تحرز تقدما ويذكر أن طاجيكستان عانت خمس سنوات من الحرب الأهلية بين مسلحين اسلاميين وآخرين موالين لموسكو انتهت عام ,1997 وتعتبر البلاد معبرا أساسيا لنقل المخدرات من أفغانستان الى روسيا وأوروبا. أبدت موسكو بعد حراكها السياسي مع الصين في وسط آسيا في مطلع الصيف الماضي اهتماما ملحوظا بما تنقالته بعض وسائل الاعلام حول مزيد من التنسيق بين روسيا وكازخستان أثناء لقاء قمة منظمة التعاون لبلدان آسيا الوسطى الذي انعقد من مطلع شهر آب 2005 في مدينة سانت بطرسبورغ تنصب الرغبة الروسية على تفعيل أهداف التكتلات الاقليمية في وسط آسيا وفي مقدمتها منظمة شنغهاي. في قمة بطرسبورغ التي ضمت كلا من رؤساء روسيا وكازخستان وقيرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان جملة من الملفات الرامية الى تفعيل التعاون التجاري والاقتصادي والثقافي ومكافحة الارهاب الدولي والتطرف, وتعد منظمة التعاون لبلدان آسيا الوسطى التي قامت عام 2002 وريثا لما كان يسمى بالمجموعة الاقتصادية لآسيا الوسطى التي أنشأتها كازخستان وقيرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان عام ,1998 ووفق مجلس رؤساء دول المنظمة باجماع أعضائه في جلسته غير العادية في 28 أيار 2004 بالعاصمة الكازاخية أستانة على قبول طلب عضوية روسيا الى المنظمة. إن تسابق هذه الدول الآسيوية الى التعاون يعود الى موافقة روسيا على بقاء حكامها منذ العهد السوفييني في كراسي السلطة وهو أمر يضاف الى أن التعاون الروسي الصيني من أجل التخفيف من زحف السيطرة الأميركية على تلك المنطقة, يصب في الاتجاه الرامي الى أن الحكام المذكورين سوف يشعرون بالهدوء لأن المسار الصيني الروسي سوف يكتب له النجاح في المستقبل المنظور. وعرجت رايس على أفغانستان حيث تزداد حركة المقاومة للاحتلال الأميركي, في نوعية متجددة يدعمها كما يقول كرزاي رئىس أفغانستان المال الذي تدفعه أوروبا ثمنا للمخدرات الرائجة من هذه البلاد ووعدت رايس بخفض القوات الأميركية في أفغانستان, حين يتحقق الاستقرار, لذا جددت العزم على البقاء في هذا البلد على المدى البعيد قائلة إن واشنطن لن تكرر الخطأ الذي ارتكبته بالتخلي عن أفغانستان بعد طرد القوات السوفييتية عام ,1989 أدخلت رايس موسكو فجأة في إطار جولتها الآسيوية لاقناع الرئىس بوتين بضرورة تحويل الملف النووي الايراني الى مجلس الأمن الأمر الذي لقي معارضة شديدة من موسكو وعادت رايس بعد ذلك من هذه الرحلة التي تخللها زيارة لباكستان المنكوبة بالزلازل وبالقليل من التبرع الأميركي بمكاسب عادية لا ترقى الى عرقلة أي تعاون روسي صيني آسيوي ولن يكون لها اليد الطولى في تحويل مساره. على الرغم من لهجة التصالح التي تسود الخطاب الروسي-الأميركي بشأن آسيا الوسطى فإن المراقبين لا يجزمون بتلاقي مصالح الكرملين والبيت الأبيض في المنطقة, بل على العكس هناك مواجهة متصاعدة بين موسكو وواشنطن. وحسب الخبراء السياسيين الروس فإن الأميركيين يشعرون بأنهم يعجزون عن مواكبة روسيا في هذه المنطقة, حيث التحرك الروسي هناك يستند على منظمة شنغهاي للتعاون وعلى المجموعة الاقتصادية الأوراسية التي تقرر مؤخرا أن يتم تعزيزها ببلدان آسيا الوسطى, ولكن واشنطن لم تستكمل دراسة هذا الموضوع بعد, وجولة رايس هي لهذه الغاية ولهذا فإن الولايات المتحدة ستركز على عرض مزيد من الأموال على بلدان المنطقة في المرحلة الراهنة. وقد أصبح الموعد بالمساعدات في مهب الريح بعد أن ازدادت أعباء الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق بمليارات الدولارات, وبعد الالتزامات التي فرضتها الأعاصير لإعادة إعمار الولايات المتضررة في أميركا, والنتيجة المتوقعة أنه لم يبق للأميركيين إلا أن يوسعوا قاعدتهم ماناس في قيرغيزستان, وقد تواكب واشنطن مسار الديمقراطية في المنطقة في محاولة لاستعادة النفوذ المفقود, وعدت الوزيرة الأميركية التي أمضت في جامعة موسكو أواسط السبعينيات لتعلم اللغة الروسية, بأنها ستحاور مفاوضيها بالروسية عندما ستقوم بزيارة قادمة الى المنطقة. ومع ما تحمله هذه المجاملات من دلالة رمزية إلا أن الخبراء يعتبرونها دليلا على اعتراف أميركي ضمني بأن دول آسيا الوسطى السوفييتية سابقا تظل جزءا مهما من الحديقة الخلفية لروسيا التي لم تعد تتردد في القول إنها ستلجأ الى العتلات الاقتصادية لجر دول المنظومة السوفييتية السابقة الى فلكها مجددا. الواضح أن روسيا تأخذ في الاعتبار عندما تصوغ سياستها تجاه الجمهوريات السوفييتية السابقة أن هذه البلدان تتعرض لضغط متزايد من قبل الولايات المتحدة, فقد قطعت الحكومة الأميركية المساعدات عن أوزبكستان بعد طلب رئيسها إسلام كريموف من واشنطن اغلاق قاعدتها العسكرية في بلاده وبعد أن أنفق البنتاغون أكثر من 200 مليون دولار على تحديثها, وقد استخدمتها أميركا في الحملة العسكرية ضد أفغانستان, وتملك روسيا ورقة أخرى يمكن أن تلجأ الى استعمالها للضغط على جيرانها في وسط آسيا, وذلك بمطالبتهم بدفع ديون تقدر قيمتها الاجمالية بما يقارب خمسة مليارات دولار أميركي,ويشير المراقبون إلى أن موسكو أعرف بأحوال دول الاتحاد السوفييتي السابق من واشنطن. ذلك أن هذه الدول تسعى الى التقارب من أميركا طمعا في مساعدتها لكن الحكام في هذه الدول يضيقون ذرعا من الحديث عن حقوق الانسان والحريات الديمقراطية, وهذه ملفات لا تدرجها موسكو في أوليات عملها الدبلوماسي مع عواصم الجوار في الوقت الحالي. ذلك أن موسكو ودول وسط آسيا معا تواجه مشكلات لا حصر لها, تبدأ من تفشي الفاقة مرورا بالصراعات العرقية الى تصاعد مد الأصولية الاسلامية والمطالبة بالحكم الذاتي والانفصال أو الاستقلال. والخلاصة: أخفقت وزيرة الخارجية الأميركية في إقناع موسكو بضرورة تحويل ملف ايران النووي الى مجلس الأمن الدولي, فقد استمعت كونداليزا رايس من نظيرها الروسي في زيارتها المفاجئة الى موسكو خلال جولتها الآسيوية, تأكيدات بأن روسيا لا ترى ضرورة لإجراء يعقد الملف. وقال سيرجي لافروف عقب المباحثات إن روسيا لا ترى مسوغات تدعو الى إحالة الملف النووي الايراني الى مجلس الأمن الدولي. بدورها أبدت رايس ليونة في الموقف الأميركي المعلن من ملف طهران النووي باشارتها الى استعداد واشنطن التفاوض مع الايرانيين, وقالت: ناقشنا القضية الايرانية ويتبقى احتمال إحالة هذه القضية الى مجلس الأمن الدولي, وظل الطرفان على أن الموقف يمكن أن يعالج بالتفاوض مع ايران, وفيما واجهت الوزيرة الأميركية موقفا يعتبره المراقبون متصلبا من الجانب الروسي فإنها حرصت على تقديم تعهدات لموسكو بأن واشنطن لا تنوي الاحتفاظ بوجود عسكري دائم في آسيا الوسطى (السوفييتية السابقة) وهو الملف الذي يعني موسكو بقدر لا يقل حساسية وأهمية عن الملف النووي الايراني وفق رأي غالبية المحللين. |
|