تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خبير أمريكي: لم يسبق للولايات المتحدة أن شهدت أوهاماً مثل أوهام المحافظين الجدد

دراسات
الاحد 11/12/2005م
حسن حسن

لم يكن من السهل في بداية الغزو الأميركي للعراق إقناع الكثيرين من الذين كتبوا وحللوا أو ناقشوا فكرة الحرب على العراق,

أن أميركا سوف تفشل في احتلال العراق وستواجه مقاومة شديدة وتقع في ورطة, وأن المستنقع العراقي سيكون مشابهاً لما حدث لأميركا في فيتنام.‏

وبعد أكثر من عامين ونصف العام من الاحتلال وممارسة التضليل الإعلامي, أصبحت الهزيمة الأميركية حقيقة واقعة, وهذه الحقيقة اعترف بها الغربيون منذ مدة, واعترف بها كبار القادة والمحللون في أميركا و(إسرائيل).‏

الدكتور (أنتوني كوردسمان) خبير الشؤون الاستراتيجية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن, قال بصراحة في التقرير الذي أصدره المركز: لقد آن الأوان لمواجهة الحقيقة والقول إنه لم يسبق للولايات المتحدة أن شهدت أوهاماً خطيرة في سياستها الخارجية مثل تلك التي روج لها المحافظون الجدد فيما يتعلق بالشرق الأوسط, وقد أدت تلك الأوهام إلى مصرع وإصابة الآلاف من قوات الاحتلال في العراق, وأصبحت تهدد الآن بهزيمة استراتيجية خطيرة للولايات المتحدة. الجنرال (ناس) أكد هذه الهزيمة الاستراتيجية, والجنرال (أنتوني زيني) القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية طالب كبار المسؤولين بوزارة الدفاع الأميركية بالاستقالة, وقال إن هذا الاحتلال وهذا الفشل دمر سمعة أميركا في المنطقة وفي العالم. و(روبن كوك) وزير الخارجية البريطاني السابق وصف الحالة العراقية بأنها تمثل أبشع مظاهر الاستعمار, ورسالة مجموعة الدبلوماسيين والقادة العسكريين الأميركيين إلى الرئيس جورج بوش, كانت شهادة بليغة تعكس صورة الفشل والهزيمة والإحباط من السياسة التي اتبعتها الإدارة الأميركية بخصوص العراق والتي دفعتهم للجهر بآرائهم علناً تجاوز معايير البلاغات الدبلوماسية, و(تشارلز فريمان) السفير السابق في السعودية وأحد الموقعين على الرسالة قال بصراحة: أعتقد أننا سنمر بوقت نشعر فيه بالخجل الشديد من هذه الفترة من التاريخ. ووصف الجنرال (ميزيك كمبيك) قائد أركان القوات الجوية الأميركية السابق ما حدث بأنه (كارثة رهيبة) حتى الخبير العسكري الإسرائيلي (زئيف شيف) اعترف بأن الجيش الأميركي في العراق مُني بهزيمة على يد المقاومة العراقية, وأن آثار هذه الهزيمة ستكون بعيدة المدى وستؤثر على وضع (إسرائيل) في المنطقة. واستطلاع الرأي العام الذي أجرته شبكة (سي.إن.إن) ومؤسسة (غالوب) الأميركية وصحيفة (يو.إس.توداي) أشار إلى أنه لأول مرة منذ حرب فيتنام يصف غالبية الأميركيين الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق بأنه خطأ كبير, وأن الحرب جعلت الولايات المتحدة أقل أمناً من الإرهاب. وأحدث كتاب صدر في سلسلة الكتب التي تتناول هذا الموضوع جاء تحت عنوان (الغزو الامبريالي) قال بالحرف الواحد: إن الولايات المتحدة الأميركية هزمت في أفغانستان والعراق, وإن هاتين الحربين الفاشلتين جعلتا المشاعر المعادية للولايات المتحدة أكبر مما هي عليه في السابق. وكولن باول وزير الخارجية الأميركي السابق هو الآخر اعترف بحالة الفشل عندما قال بصراحة إن الاحتلال كلف الولايات المتحدة الأميركية الكثير مادياً وبشرياً, وكلف دافع الضرائب الأميركي أموالاً باهظة, كما أنه لعب دوراً مؤثراً في الضغط على القوات المسلحة الأميركية.‏

إن استمرار وقوع الاحتلال الأميركي في المستنقع العراقي, وظهور الكثير من الأزمات, أخطرها حالة التمرد والتذمر التي بدأت تظهر في صفوف جيش الاحتلال الأميركي والتي جعلت الكثير منهم يستعينون بالأطباء النفسانيين, هي في تصورنا ما قد يزيد من وتيرة شعورهم بالهزيمة والرغبة في الانسحاب من العراق. وعند تحليل هذه الحالة سنجد أن هناك نوعاً من الترابط والامتزاج القوي بين حالة التضليل الإعلامي وحالة التذمر والتمرد في صفوف الجيش الأميركي. ففي إحصائية رسمية أميركية تقول إن هناك مئات من الجنود الأميركيين الذين تم استدعاؤهم للذهاب إلى العراق تمردوا وبقوة على طلب الاستدعاء وبعضهم هرب.‏

بل إن جندياً أميركياً عمل في العراق سبعة أشهر طلب من صديقه أن يطلق النار عليه ليهرب من الخدمة في العراق مرة أخرى. وأخطر ما في هذه الحالة أنها كسرت حالة التضليل الإعلامي حول ما يحدث من جرائم في العراق, وأهم هذه الاعترافات ما جاء في رسالة أحد هؤلاء الجنود والتي نشرت في مجلة (نصف الدنيا) الصادر بتاريخ 19/12/2004 تحدث فيها بدقة عن الحالة النفسية التي وصل إليها الجنود, وعما حدث في الفلوجة. حيث يقول في رسالته: لقد عملت مع بعض الوحدات في البحث عن أسلحة الدمار الشامل, ولم نجد شيئاً وهو السبب الذي كنا نحارب ونموت من أجله, الكثير منا يموتون والأسوأ أنهم يصابون بالشلل أو العمى أو العجز, والهدف ليس حماية أميركا. وعند انكشاف كذبة أسلحة الدمار الشامل أقنعنا الرئيس بوش أننا نحارب من أجل تحرير العراق, وهذه أكبر خدعة سمعنا بها, فكل جندي وكل رجل من المارينز يعرف أن الشعب العراقي لا يريدنا هنا لأننا في نظرهم احتلال أجنبي لبلدهم, قتلنا عشرات الآلاف من المدنيين بمن فيهم آلاف النساء والأطفال. كنت في الفلوجة والتي تعرف بمدينة المساجد, دمرنا مئات المساجد وحولنا المدينة إلى أطلال وحطام, لقد شاهدنا جميعاً شريط الفيديو الذي بثته شبكة (إن.بي.سي) لعملية قتل الجريح العراقي داخل مسجد بالفلوجة.. أستطيع أن أوكد لكم أنه في فترة الأسبوع التي أمضيتها هناك رأيت ما لا يقل عن مئات الجثث المحترقة والمتفحمة في الشقق التي هوجمت وأحرقت بمن فيها, وكنا نترك الجرحى وننتقل لمبنى آخر, والفكرة هي أن الأفضل للعدو الجريح أن يموت بحيث لا يعود ليحاربنا مرة أخرى.‏

ويطرح الجندي سؤالاً مهماً في رسالته قائلاً: إذا كنا قتلنا عشرات الآلاف من المدنيين ودمرنا آلاف البيوت, فكيف يمكن أن نقول إننا هنا من أجلهم ولنجلب لهم الحرية? كيف نقول هذا للأم الثكلى والأب المفجوع اللذين شاهدتهما وعند أقدامهما كانت ترقد طفلتهما وقد انفلق رأسها إلى جزأين. إن الإعلام يحاول أن يصور أننا جميعاً هنا مع الحرب. وأنا واثق تماماً أن معظمنا يعتقد أن هذه الحرب مجنونة. لقد رأينا الحقيقة بعيوننا. كلنا نريد أن نعود لأهلنا لأننا ندرك أن هذه الحرب هي أكثر الحروب جنوناً وهي حرب بلا ضرورة أو مبرر, لم تسبب لنا سوى المعاناة.‏

السؤال المهم الآن هو: كيف تورطت أميركا في مستنقع العراق? لماذا دخلت هذه الحرب رغم أن كل التبريرات السابقة كانت كاذبة, ورغم أن أسس الاتحاد منذ عهد جورج واشنطن كانت تمنع الولايات المتحدة التورط في نزاعات العالم الخارجية? الإجابة تحمل في طياتها الكثير من المعاني والتفسيرات والتحليلات, لكن غالبيتها توقفت عند نقطة واحدة, أن اللوبي الصهيوني المتغلغل في سلطة القرار الأميركي هو السبب, هو الذي قام بدور كبير في جر الإدارة الأميركية إلى هذه الحرب.‏

الرئيس بيل كلينتون أشار إلى مثل هذه الحقيقة عندما قال في كتابه (حياتي): إن بوش ذهب إلى العراق لأنه صدق تحليل (وولفوتيز) و(تشيني). والعديد من المسؤولين الأميركيين قالوا بصراحة: إن اليهود هم الذين جعلوا أميركا تتورط في هذه الحرب وجعلوا أبناءنا يقتلون في سبيل مصلحة (إسرائيل).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية