تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الاحتواء الغربي لأحداث المنطقة... الوسائل والأهداف

شؤون سياسية
الأربعاء 13-7-2011
بقلم: محمد خير الجمالي

أخطر ما تتعرض له المنطقة العربية الآن ويثير القلق والخوف على المستقبل العربي هو محاولات اختطاف الأحداث العربية الراهنة إلى غير المكان والنهايات التي أرادتها لها الشعوب, وتجييرها في خدمة مصالح الغرب وإسرائيل بدلاً من أن تكون في خدمة مصالحها الوطنية وقضاياها القومية.

ومدعاة القلق هنا هو ما نشهده من سياسة التفاف تمارسها أميركا والغرب وإسرائيل بأشكال مختلفة كدعم مطالب الإصلاح ومباركة ثورتي مصر وتونس وتأييد التحول الديمقراطي الذي تنشده الشعوب العربية وإبداء الاستعداد للمساعدة بالنصح والمال لإنجاز هذا التحول, ليصل الأمر بالرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخراً حد إعلان(( توظيف كل الموارد الأميركية لتشجيع الإصلاح في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)) وإعلان وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ((عن رغبة إدارتها بالحوار مع تنظيم الإخوان المسلمين في مصر)) وذلك في موقف غير مسبوق تاريخياً, ما يثير الشك والريبة في هذا الموقف ويضعه في سياق سياسة الاستقطاب والتجاذب الهادفة إلى تفتيت وحدة الشعب المصري وشق اصطفافه الوطني حول ثورته ومسارها وأهدافها الوطنية والقومية.‏

وما يجب ملاحظته على هذه السياسة هو أنها في حين تخص الأحداث كلها بنظرة واحدة تقوم على الخوف من تداعياتها المستقبلية على مصالح واضعيها ومبرمجيها, فإنها في الوقت نفسه تتعامل مع كل منها بأسلوب معين تفرضه طبيعتها الخاصة وتطوراتها، مع عدم إغفال أن مجمل هذه الأساليب تصب في خانة هدف واحد هو تأمين مصالح الغرب وإسرائيل.‏

في مصر وتونس يكاد يكون أسلوب التعاطي مع ثورتيهما والالتفاف عليهما واحداً, إذ اتخذ طابع الدخول المتأخر على خط الانتفاضة الشعبية، بادئاً بالتهليل للحراك الشعبي الضاغط ثم بتوافد المسؤولين الأميركيين إلى البلدين على نحو زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وزيارة عضوي الكونغرس جون ماكين وجو ليبرمان لميدان التحرير في مصر ومن ثم زيارة كلينتون لتونس, وما سبق ولحق هذه الزيارات من رسائل أميركية بتصريحات سياسية أريد بها الإيحاء بأن الولايات المتحدة تؤيد ما حدث في مصر وتونس وتريد فتح صفحة جديدة من العلاقات معهما وقد خصصت عشرات الملايين من الدولارات لما سمته دعم التحول الديمقراطي في البلدين.‏

وفي اليمن لم تجد الولايات المتحدة حرجاً في اتخاذ موقف الترقب بانتظار ما سيؤول إليه الوضع لتحديد موقف نهائي تمليه نتائج الصراع بين الحركة الاحتجاجية والنظام, ولو أنها تعطي الأفضلية لتأييد النظام في ضوء تعاونة الأمني المفتوح معها.‏

وفي ليبيا, وبحكم موقعها الجغرافي بين مصر وتونس وما تختزنه من نفط على درجة عالية من الجودة, لم يتردد الغرب كله بزعامة أميركا من اعتماد أسلوب التدخل العسكري المباشر تحت ستار حماية المدنيين وضمان حق الشعب الليبي في تقرير مصيره واختيار النظام السياسي الذي يريده، والهدف هو استخدام ليبيا مستقبلا حاجز فصل بين مصر والمغرب العربي.‏

أما في سورية, فالأسلوب كان بالدخول على خط الحراك الإصلاحي مع أنه شأن داخلي بحت، واستغلاله بتحريك التنظيمات المسلحة لنشر الفوضى وزعزعة الاستقرار توطيناً للأزمة وتوطئة لتدويلها بما يمكَن من احتواء مرحلة ما بعد الإصلاح، لإدراك حقيقة أن ترك سورية تنجز مسألة الإصلاح بحوار وطني شامل وعلى قاعدة ثوابتها الوطنية والقومية المتوافق عليها تاريخياً, سيكون من شأنه تزايد قوتها وتعزيز مكانتها الإقليمية وتعاظم دورها الجيوسياسي بما يعنيه ذلك من إثارة حفيظة الغرب وإسرائيل, الأول على مصالحه ومشاريع سيطرته على الشرق الأوسط والثانية على مستقبل دورها الإقليمي الآخذ بالتآكل أمام رسوخ قوى الممانعة والمقاومة.‏

والحال كذلك لأن سورية الأقوى بالإصلاح الوطني الشامل حين يتحقق بملء إرادتها وبالطريقة التي تحفظ لها وحدتها وموقعها, ستكون سورية الأكثر قدرة على حماية مصالحها الوطنية والأكثر تأثيراً في مجرى نضال شعوب الإقليم ضد التدخل الأجنبي ورأس الحربة فيه «إسرائيل».‏

إن الكلام المعسول الذي يصدر عن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين حول الأحداث العربية ومنه مثلاً قول أوباما بأن « تاريخاً جديداً يتشكل في المنطقة وأن أميركا تشجع الإصلاح فيها» وقول نتنياهو بأن « واشنطن وتل أبيب تتقاسمان آمال الشباب في تونس والقاهرة وإيران» يجب ألا ينسينا حقيقتين اثنتين هما:‏

1-القلق الذي يساور الغرب كله وإسرائيل من انعكاس الأحداث العربية على مصالحهما فيما لو انتهت إلى تجسيد إرادة الشعوب في إحداث تحولات ديمقراطية حقيقية تخدم مستقبل أجيالها وقضاياها الوطنية والقومية وهذا جل ما نتمناه من الحراك الشعبي العربي.‏

2- تغطية هذا القلق بكلام لفظي عن تأييد دعائي محض غايته المستترة هي حرف الأحداث العربية عن مساراتها الوطنية والقومية بوسائل غاية بالخبث والمكر تتراوح بين مقايضة دعم الثورة في مصر وتونس بمواقف لاتناقض المصالح الأميركية أو تعادي إسرائيل, وبين تحريك الثورة المضادة في وجه ثورتي مصر وتونس لابتزازهما أو إجهاضهما إذا استحالت عملية الابتزاز, وأخيراً وليس آخراً ممارسة لعبة الاستقطاب بين القوى السياسية للضغط على كل الأطراف من أجل حمل هذه القوى على التخلي عن عنادها في مواجهة المطالب الأميركية وأهمها بل أخطرها على الإطلاق هو فتح بلدانها أمام المصالح الأميركية والغربية وإبداء الاستعداد لالتزام سياسة غير عدائية تجاه إسرائيل.‏

إن معرفة الأهمية الاستراتيجية الفائقة للشرق الأوسط بالنسبة للغرب وإسرائيل تكشف دون شك عن أنهما لايبديان هذا التعاطف المفاجىء مع حركة الإصلاح العربي حباً بالديمقراطية وتضامناً مع حقوق الشعوب, وإنما بدافع القلق من هذه الحركة وتوجيهها بما يخدم مصالحهما, فالشرق الأوسط يعد المنطقة الأهم للغرب في العالم كله لموقعه الجيوسياسي وغناه النفطي وكونه سوقاً اقتصادية مهمة لتصريف المنتوج الغربي من أسلحة وغيرها, وأن الغرب يريد السيطرة على المنطقة لكل هذه العوامل التي تشكل بالإضافة إلى إسرائيل وحماية أمنها ما يصطلح عليه بالمصالح الحيوية للغرب وإسرائيل, وهي المصالح ذاتها التي تدعم أميركا والغرب إسرائيل من أجل بقائها ولم يتردد أوباما في الاعتراف علانيةً بالأهمية الإستثنائية للمنطقة عندما قال في سياق حديثه عن رياح التغيير العربية «إن مستقبلنا مرتبط أمنيا واقتصاديا في الشرق الأوسط»...!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية