|
كل أربعاء ممن لا يعرفون شيئاً عن عيوب الديمقراطية وحسناتها إلا ما تصفحونه في بطون الكتب، وحكايات الشــعـوب الأخرى التي اختارت هذا الـنـهـج، مع التفاوت الـمـلـحـوظ في تطبيقاته بين مجتمع وآخر بداعي الخصـــوصــيـة ومنظومة القيم وضرورات المصالح الوطنية، ومن أجل ذلك فإن اللقاء التشاوري الذي عقد في دمشــــق في الأيام القليلة الماضية، في تدريب مبدئي على الحوار الديمقراطي لا يملك عصا ســـــــــحرية لإعلان ولادة عصر ثقافة الحوار ووضع النهج الديمقراطي وتطبيقاته في الحياة السياسية السورية موضع التنفيذ في اليوم التالي! ورغم أن الذين أعرضوا عن هذا اللقاء مارســــــــــوا حقهم الديمقراطي في مقاطعة التشاور لأسبابهم المعلنة، وأن الذين تحلقوا حول طاولته المستديرة في مجمع صحارى جاؤوا مدفوعين بجوعهم إلى الحوار، وبنيات متفاوتة في الحماســـة للخروج من الأزمة التي تعصف بالوطن منذ ما يقارب الأشهر الأربعة،.. رغم كل ذلك فإن اللحظة الســـــــاخنة التي تكتوي بها أعصاب السوريين من خلال قلقهم على المصير، لا تحتمل ترفاً من أي نوع، سـواء تمثل بإدارة الظهر للحوار، أم تحويل الحوار إلى فرصة لتصفية الحسابات مع ارتكابات الماضي ومرتكبيها باعتبار أننا ساهمنا جميعاً بهذا القدر أو ذاك في تشــــريع المناخ الذي وقع فيه هذا الارتكاب لخمســـة عقود فائتة، دون أن نتنبه في معظم الأحيان إلى الحاجة الغريـزية للإنســان إلى حرية القول والمبادرة تحت سيف القوانين العادلة التي يتساوى أمامها الجميع! اللحظة السـورية الساخنة التي لا تسمح لنا اليوم بترف الإقبال أو الإعراض عن الحوار، يلخصها ذلك النزيف الذي يتوالى من دماء السـوريين، ومن مصادر رزقهم التي أضاء إنذارها الأحمر، مهدداً اقتصادنا الوطني الذي لا نعرف مدى قدرته على الصـمـود في هذه الأجواء العاصفة التي تكاد تعطل دورة العمل، وتسـتنفد أرصدتنا من الدخل القومي، ولذلك فإن السؤال الذي يحظى بالأولوية اليوم هو: كيف نوقف نزيف الدم في شــــــوارعنا، وكيف نجنب الوطن شللاً اقتصادياً قد يقودنا إلى الانهيار، وهل صحيح أن التحول الديمقراطي في وضع كــوضــعــنــا لا يمكن أن تطلع كواكبه إلا من بُرك الدماء وخراب المصالح العامة والخاصة ؟ وما دامت ملامح وجه الدولة التعددية الديمقراطية باتت واضحة في عيوننا ولا ســــــبيل لإخفاء هذا الوجه بأي قناع، فلماذا لا نسحب متاريسنا من الشوارع الكئيبة، ونذهب مباشرة إلى حوار وطني جاد ومسؤول يقونن القطيعة مع الماضي، ويشـرِّع لصراع الأفكار وصناديق الاقتراع ؟ ومن هو ذلك الذكي الذي يعتقد أنه ســـــوف يربح ويقطف ثمرة الدم والخراب حين يفتح عينيه على بقايا وطن نكـَّل به عاشقوه في زحمة الأوهام! لن نســـتخلص شيئاً من حوار لا يوقف لعبة الموت بين السوريين، ولن ننعم بالحرية في وطن نتذابح فيه على تعريف جنس الملائكة وهو في عين العاصفة، ولن تصل أحلامنا إلى أي مكان ما دام بيننا من لا يزال يعتقد أن ((الثورة)) لونها أحمـر من الأزل وإلى الأزل، والوقت لا يجري في مصلحة أحد، فالكل خاسرون، والخاسر الأكبر هو هذا الوطن الرائع الذي يلفح وجهه الاصفرار يوماً إثر يوم! |
|