تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إصلاح.. ولكن على الطريقة الأميركية !!

شؤون سياسية
الخميس 14-7-2011
د. صياح عزام

في ضوء ما يجري في الوطن العربي ، هناك سؤال ملح يطرحه المواطن العربي إما علانية أو بينه وبين نفسه وهو التالي : هل تريد أميركا الإصلاح السياسي كما تدعي؟

بداية لا بد من الاعتراف بأن الدول العربية في غالبيتها تحتاج إلى عملية إصلاح نظمها السياسية وما يتعلق بمفهوم القانون والمواطن والحريات وتطبيق ذلك ، وتحتاج أيضاً إلى الاقتراب أكثر من الثورة المعلوماتية والتكنولوجية مواكبةً لثقافة العصر ، وتحتاج في الوقت نفسه إلى الاستقلال والتحرر من التبعية للخارج . وعلى سبيل المثال لا الحصر ، نجد أن الاستعمار المباشر غاب عن وجه الكرة الأرضية باستثناء البقعة العربية ، فما زالت فلسطين مغتصبة من قبل الصهيونية العالمية وإسرائيل ، والعراق تم احتلاله من جديد عام 2003 ، والقواعد العسكرية وخاصةالأميركية تجثم على كاهل عدة مجتمعات عربية، هذا إلى جانب التدخلات الأميركية هنا وهناك تحت ذريعة دعم التنمية والحرية ونشر الديمقراطية ومساعدة الشعوب على ممارسة حقها في تقرير مصيرها.‏

إذاً لا شك بأن الولايات المتحدة تعرف حق المعرفة أن الدول العربية تحتاج إلى إصلاحات سياسية وغيرها، ولكن الشيء الأكثر أهمية أنها تعارض هذه الإصلاحات لأنها ستؤدي -إذا ما كانت فاعلة وحقيقية- إلى الاضرار بالمصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة العربية بأسرها.‏

من جهة أخرى فإن موجة العداء والكره للسياسة الأميركية وللوجود الصهيوني الغاصب في فلسطين تزداد عمقاً واتساعاًيوماً بعد يوم ،ولا سيما في أوساط الجماهير العربية ، وإن كانت بعض الأنظمة العربية تسير في ركاب السياسة الأميركية للحفاظ على امتيازاتها،ولهذا عملت الولايات المتحدة ولا تزال باتجاه إجهاض أي عملية إصلاح حقيقية ، وذلك من خلال عدة أساليب أهمها: -محاولات احتواء أي ثورة أو انتفاضةلتبقى تدور في فلك السياسة الأميركية ، بمعنى إدخال تحسينات خارجية أو سطحية عليها مع الإبقاء على البنية التحتية الأساسية للأنظمة الحليفة لها واستبدال بعض الشخصيات بأخرى دون المساس بجوهر النظام. العمل على زرع بذور الفتن الطائفية والمذهبية والأثنية والمناطقية بما يساعد على توسيع شقة الخلاف بين أبناء الشعب الواحد ويؤدي إلى حالة مستمرة من عدم الاستقرار ، وقد تتطورالأمور إلى حد الاقتتال بين الطوائف والمذاهب . وهذا ما يريح الإدارةالأميركية ،ويوفر عليها التدخل المباشر في هذه الدولة أو تلك.‏

-تكثيف الضغوط على الدول التي تعارض السياسة الأميركية سواء كانت ضغوطاً سياسية أو اقتصادية ، ودعم وتمويل مجموعات محددة لديها مؤهلات واستعدادات للإذعان وللسير وفق اتجاهات السياسة الأميركية ، وهذا ما يتم تطبيقه في سورية ،حيث شجعت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الحليفة لها مثل هذه المجموعات على القيام بالتظاهر ،بل وبأعمال القتل والتخريب تحت ستار المطالبة بالحرية وبالديمقراطية ، ومدتها بالأموال والأسلحة ، إلى جانب الدعم الإعلامي لها من خلال بعض المحطات الفضائية المشبوهة التي تلفق الأخبار الكاذبة وتضخم الأحداث بل تختلقها أحياناً من لا شيء.‏

لقد أقدمت الإدارة الأميركية على اتخاذ اجراءات معينة لاختراق المجتمعات العربية وتفجيرها من الداخل ،ومن هذه الاجراءات والأساليب قيامها بتدريب مجموعات من الشباب العرب على يد جمعيات أميركية متخصصة في مجالات التأثير على عقول الأجيال الصاعدة وعلى كيفية التنظيم والتواصل عبر التقنيات الحديثةبمختلف أنواعها / الانترنيت - الفيسبوك التويتر- أجهزة الخليوي المتطورة / وغيرها من مجموعات لا تربط بينها أي أفكار سياسية أو ايديولوجيةمحددة ، ولا تجمعهاقيادة موحدة أو أي أطر تنظيمية معينة أو خاصة ودفعتها إلى تبني شعارات الحرية والديمقراطية ثم رفع سقف المطالبة إلى طلب إسقاط الأنظمة دون أن يكون لدى هذه المجموعات أي وضوح في تطلعاتها أوبرامجها السياسية والاقتصادية ، مع التركيز على هذه المجموعات لتبتعد عن القضايا القومية الكبرى للأمة العربية ، وإعطاء الاهتمام في طرح مطالبها للنواحي المعاشية وللبطالة وللتفاوت الاجتماعي .ويلاحظ من خلال هذا التركيز على تنمية اتجاهات معينة لدى الشباب العربي بحيث ينسلخ عن جلده القومي والعروبي في نهاية المطاف ،هذا إذا عدنا قليلاً إلى الوراء نجد أن أميركا اعتمدت في زمن الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفياتي السابق والمعسكر الاشتراكي على استراتيجية دعم عدة منظمات دينية لمواجهة ما كانت تسميه «الخطر الشيوعي» أو «المد الأحمر» والمخططات الشيوعية السوفياتية ، واستخدمت هذه المنظمات الدينية في العمل لإخراج الاتحاد السوفياتي السابق من أفغانستان ، لتقوم لاحقاً باحتلالها تحت ستار مكافحة الارهاب وملاحقة تنظيم القاعدة وفي هذه الأيام تستغل الولايات المتحدة المشاعر الطائفية والمذهبية لخلق الفتن هنا وهناك.‏

وهكذا .يمكن القول بأنه لا مصلحة لأميركا في الإصلاح الحقيقي في الدول العربية ، وهي تريد إلى جانب إحداث الفتن وتمزيق البلدان العربية أن تقيم ديمقراطيات على المقاس الأميركي أو بما يناسب المصالح الأميركية ،وديمقرطيات تقسيمية شكلية على أساس المدن والعشائر والطوائف ، وهي في الوقت نفسه تقف ضد أي ديمقراطية حقيقية لدولة عصرية على مستوى الوطن والأمة.‏

وهذا أمر طبيعي أو بديهي ، فتاريخ الولايات المتحدة الحافل بمحاربة الأنظمة والدول التقدمية والديمقراطية المناهضة لسياستها لا يسمح لها بأن تتحول بين ليلة وضحاها إلى راعية للديمقراطية الصحيحة ولحقوق الإنسان ، وبالتالي فإن المراهنة على إقامة ديمقراطية على الطريقة الأميركية وبالدعم الأميركي هي مراهنة خاسرة ،وتؤدي بمن يراهن على ذلك في نهاية المطاف إلى السقوط في مستنقع الخيانة لأمته ووطنه وشعبه. إن الديمقراطية الصحيحة والحقيقية هي التي تنبع من واقع الوطن ومن حاجةالشعب ، وتتعارض مع كل أشكال التعصب المذهبي والطائفي والمناطقي والعرقي .‏

إن أي ديمقراطية أو حرية لا تبنى على قاعدة وحدة الوطن ، ووحدة الشعب ، ووحدة الأمة ، هي ديمقراطية فاشلة وقاصرة.‏

من جهة أخرى فإن التعددية الحزبية مطلوبة ومقبولة ولكن بشرط أن تلتقي هذه الأحزاب على ثوابت وطنية وقومية راسخة لا يجوز تجاوزها أو القفز من فوقها ، وإذا حصل أي خلاف بينها ، فيجب أن يكون فقط في الوسائل والبرامج التي توصل إلى تحقيق الأهداف الكبرى.هذا ومما يؤكد بأن واشنطن لا تريد الإصلاح ، بل تريد التخريب واشعال نار الفتنة في سورية هو تدخلها الوقح والسافر مؤخراً فيما يجري من أحداث داخل سورية حيث خرق سفيرها في دمشق كل عرف دبلوماسي مستخفاً بالسيادة الوطنية عندما توجه إلى حماه دون أي موافقة مسبقة من وزارة الخارجيةكما هومتعارف عليه بذريعة مواكبة ما أسماه بالتظاهرات هناك ... والسؤال هل هناك دليل أكبر من هذا الدليل على تورط الإدارة الأميركية فيما يجري في سورية؟‏

ألا تعتبر هذه الخطوة محاولة لاشعال نار الفتنة والتحريض بما يمس أمن المواطن السوري؟‏

والسؤال الأخير هل تسمح الإدارة الأميركية بمثل هذه الخطوة في بلادها ؟‏

باختصار شديدالولايات المتحدة لم ولن تكون مع الإصلاح ، بل تكون مع مصالحها قبل كل شيء .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية