تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أطول احتلال في العالم

ترجمة: ريما الرفاعي
هآرتس
ترجمـــــــــــة
الخميس 14-7-2011
بقلم اسحق ليئور

نعلم أن إسرائيل على صلة بكل مراكز القوة في العالم. وتبدو التنبؤات بتسونامي سياسي يهز إسرائيل في أيلول المقبل مبالغاً فيها الآن، لكن مع ذلك ينبغي أن نذكر قبل حفل الانتصار أن الاحتلال الإسرائيلي هو أطول احتلال عسكري في العصر الحديث،

حيث يعيش من يخضعون للاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سلطة قاسية لم تشهد مثيلا لها سوى لدى نظم احتلال قليلة في العالم. ويطول الاحتلال مع ما يتخلله من حصار ومرض الأطفال والحواجز التي تقطع أوصال المناطق الفلسطينية وعسف الجنود، وأعمال دهم البيوت.. وكل هذا كارثة علينا وعلى الفلسطينيين، لأن إسرائيل تتمتع بتأييد الغرب، في هذا القبح الذي تمارسه.‏

وقد حولت المستوطنات الاحتلال إلى قضية بلا حل خلال العقود القريبة على الاقل. والاحتلال هنا لا يؤسس جيلاً آخر من الجنود الإسرائيليين فقط بتشجيع من حاخامات غوغائيين، بل يؤسس جيلاً ثالثاً ورابعاً من الفلسطينيين ليست لديهم أي خيارات أخرى. والواقع أن القطاع أصبح في المحافل الدولية رمزاً للقسوة التي تمثل دليلا آخر على حماقة قادتنا. ولعل عملية «الرصاص المصبوب» والحصار، وهما قضيتان عليهما اجماع وطني واسع، جعلتا قطاع غزة رمزاً للظلم من جانب إسرائيل والصمود من جانب غزة دون أن يتكبد الفلسطينيون أي مجهود لتعزيز هذه الصورة.  أما الديمقراطية الإسرائيلية فهي تستبيح باسم الاكثرية (ستة ملايين يهودي) القيام بأي شيء ضد الاقلية (وهم خمسة ملايين فلسطيني في الضفة والقطاع وداخل إسرائيل).‏

للاقلية القومية في إسرائيل حق الانتخاب لكن ليست لها محطة تلفزيونية. ولها تأمين صحي لكنها ترزح تحت وطأة بطالة ضخمة ونسبة وفاة للاطفال اعلى كثيرا من نسبتها عند اليهود (8.3 مقابل 3.7 لكل ألف طفل). وتل أبيب، التي تصنف نفسها في العالم بأنها مدينة ليبرالية، وهي ليست المدينة الوحيدة في الغرب التي لها فيها سكان مسلمون، لكن عنصريتها تبدو جلية حيث  تبلغ نسبة العرب فيها 20 في المئة، لكنهم لا يظهرون أبدا في حياة المدينة. ونوصي أصحاب الدعاية ألا يلوحوا بيافا باعتبارها دليلاً على التنوع، لأن يافا ورغم الهجرة اليافاوية اليها هي مثال واضح على الفصل العنصري الذي تنفذه «تل أبيب العلمانية» والليبرالية.‏

ولن تساعد الدعاية أيضا. فكلما ضغطت إسرائيل أكثر على مراكز الغرب وخاصة الدول وشركات الاتصال الضخمة، ازدادت الموجة المضادة اليها ارتفاعاً لأن معاداة الاحتلال والعنصرية الإسرائيلية تنبع من الادراك أن الأفعال الإسرائيلية هي بتمويل من الغرب وبمساعدة غربية وتستند إلى صلات إسرائيل بمراكز القوة العالمية، وهما مثال للاستعمار الحي. ولعل آخر مثال هو قيام اليونان بكبح جماح القافلة البحرية المتجهة إلى غزة وهو ما يمثل تجسيدا حيا لهذه الصورة. وطبعا ليست اليونان وحدها هي التي شاركت في هذا العمل.‏

وتضم التحالفات التي تنظم لمجابهة إسرائيل في الغرب يساريين، ويوجد كثيرون آخرون غيرهم، لكن ليسوا كلهم من المتعاطفين الانسانيين، وليسوا دائما محبين لليهود. وستزداد هذه التحالفات كلما برز أكثر عجز الساسات الغربية حيال العناد الإسرائيلي. مع العلم أن الدول الغربية غير عاجزة حيال إسرائيل، لكنها لا تفعل قوتها الا عندما تكون لها مصالح حقيقية في التحرك، وحينذاك تكون قادرة على القيام بكل سلوك بربري نموذجي كما فعلت في ليبيا أو في العراق.‏

واذا فحصنا مكونات العداء لإسرائيل فنجد أنها تتكون من الغضب الذي يزداد على المؤسسة ضمن سياق سياسة لا فوارق حقيقية فيها بين الاحزاب. وأحداث الشغب في اليونان هي مثال على عدم الثقة هذا الذي لا ينبع من الاحتلال الإسرائيلي، بل من عجز الجماهير عن التأثير فيما يحدث في بلادها وفي مجال الاقتصاد والحروب. إن إسرائيل هي شأن واحد فقط من شؤون عدة يطولها الغضب السياسي أو  غير السياسي. يخرج قليلون في قوافل بحرية، ويشارك اكثر منهم في إرسالهم، ويتدخل عدد أكبر في اضطهادهم. إن الغضب هو جزء من اجماع يتسع معاد  للنظم الغربية وقد أضيف لما يسمى على نحو دائم «الساسة المنافقين» ازدواجية الموقف وعدم اخلاقيته حيال الممارسات الإسرائيلية القاسية ضد الفلسطينيين.‏

ومن هنا، ينبغي الا نستغرب من أن الحصار على غزة يضيق ويتحول كحصار اخلاقي على إسرائيل نفسها. وقد استطاعت إسرائيل شيئاً فشيئاً في عالم مليء بالظلم وجرائم حرب والعنصرية المضادة لاقليات ومهاجرين خلال عقود من الحماقة، إن تصبح رمزا لهذه المظالم والجرائم. لم تعد تجسيداً للتقدم كما روجوا لنا  خلال زمن طويل، بل على العكس تماماً، وهذه هي البداية فقط لاكتشاف الحقيقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية