تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من ظرفـاء دمشـق (3).. أبو درويش ســويد‏

سـاخـرة
الخميس 14-7-2011
نصر الدين البحرة

ومن ظرفاء دمشق الذين عاصروا فخري البارودي اثنان ما زال بعض الناس في دمشق يتناقلون أخبارهما ونوادرهما ونكاتهما وهما مصطفى سويد «أبو درويش» وأبو سليمان الجيرودي وقد تحدث عنهما الباحث عبد الغني العطري في كتابه «دفاع عن الضحك»

فقدم الأول أبا درويش على أنه نديم رجال السياسة والوطنية والشخصيات العامة والتجار وكانت نوادره تتوالى الواحدة تلو الأخرى كما كان أسلوبه في الرواية شائقاً ومثيراً للضحك والبهجة» وكانت تربطه صداقة بالأديب حبيب كحالة صاحب مجلة «المضحك والمبكي» التي كانت تصدر في دمشق منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى إن الأستاذ كحالة اتخذ من شخصيته ابن الشعب فكان ينشر صوره الهزلية الملونة على غلاف مجلته بأشكال ومواقف شتى وتحتها التعليقات الساخرة على السياسة المحلية العربية والدولية.‏‏

ينكت على عرجه‏

كان أبو درويش كما يصفه العطري يعرج في مشيته فإذا سار اهتز جسمه يميناً وشمالاً وقد اتخذ من عرجه هذا سبيلاً للتنكيت على نفسه وكان عشاق مجلسه يتحرشون به ويسألونه عن سبب العاهة التي أصيب بها وأدت إلى عرجه ليسمعوا روايته وليضحكوا وفي إحدى الحفلات التي أقامها رئيس الوزراء والوزير السابق الأستاذ خالد العظم في منزله- القصر في سوق ساروجة- وهو الآن متحف دمشق التاريخي- روى أبو درويش حكاية عرجه على النحو التالي:‏

كانت زوجات الاغنياء والوجهاء، حين يأتيهن المخاض يستدعين القابلة الى البيت. وبعد أن تتهيأ هذه لاستقبال المولود المنتظر، تأخذ بمناجاته بأعذب الكلمات وأرق العبارات:‏

- انزل يا حبيبنا بالسلامة.... ويا روحي ميت اهلا وسهلا فيك !‏

ويزعمن ان المولود يرد عليهن بقوله:‏

- ما بنزل إلا حتى تشتروا لي بستان الباشا!‏

فيقلن له بدلال وحب وحنان:‏

- مو تكرم عيونك يا حبيبي؟ بساتين الدنيا كلها تحت امرك !‏

ويزيد المولود بدلاله فيطلب أن يشتروا له مخزنا في سوق الحميدية أو بيتا في سوق ساروجة حارة قولي، حيث يسكن وجهاء وأغنياء دمشق.‏

وتزداد الطلبات وتستمر المفاوضات ساعة أو ساعتين والمولود يتدلل ويبالغ....‏

الى أن يرق قلبه أخيرا وينزل... ويستقبل بالزغاريد والاغاني المفرحة والاناشيد البهيجة....‏

ويتابع ابو درويش روايته دون أن يضحك:‏

-وحين كانت أمي تتمخض بي، وأنا كما تعلمون، درويش ومن ابناء الدراويش، علمت كيف ينزل ابناء الاكابر في الدنيا فحاولت ان اقلدهم واعمل مثلهم.. وحين خاطبتني القابلة بكثير من الحزم:‏

- يالله يا ولد....انزل بقا خلصنا...بدنا نشوف شغلنا.‏

فأجبتها كما يفعل ابناء الاكابر:‏

- ما بنزل....ما بنزل....إلا....‏

وقبل ان اتم كلامي واذكر طلباتي سحبتني من رجلي بعنف وهي تقول بكثير من الغضب:‏

- انزل...ضربة تخلع رقبتك...مو ناقصك إلا تتعلم من اولاد الاكابر وتصدر لنا اوامر وطلبات!!!‏

ونزلت الى الدنيا وأنا أبكي وأصيح من الألم فقد التوت رجلي من جذب القابلة لها بعنف وأصبت بالعرج منذ ذلك اليوم.‏

يوم سخن أبو درويش‏

ومرض أبو درويش ذات يوم فاستدعى جاره الصيدلي ليقيس حرارته فلم يكن هذا في الصيدلية، فجاء معاونه، ووضع ميزان الحرارة في فم أبي درويش فإذا هي 43 فارتعب أبو درويش.. وظن أنه مات وحين علم صديقه الصيدلي بالأمور هرول مسرعاً وعرف أن مساعده لم «ينفض» ميزان الحرارة قبل استعماله، فصاح به أبو درويش:‏

- انفضه... الله يلعن يللي نفض معاونك.‏

الحواشي‏

1- بستان الباشا: شرقي ساحة التحرير في نهاية شارع بغداد حيث تقوم اليوم ثانوية أمية.‏

2- دفاع عن الضحك- عبد الغني العطري- دار البشائر-ص 145-146.‏

تنويه‏

نشرت في الصفحة السالفة، مع موضوع ظريف دمشق السيد فخري البارودي وهو أيضاً من زعماء الحركة الوطنية في سورية، صورة السيد شكري القوتلي، الزعيم الوطني المعروف، وأول رئيس جمهورية في سورية، بعد الاستقلال سنة 1943 وهو بالطبع غير الجلاء الذي تم في نيسان 1946.‏

نعتذر لهذا الخطأ الفني غير المقصود، مما اقتضى التنويه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية