تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مختلفون!

آراء
الخميس 14-7-2011
هيفاء بيطار

وصلت باريس يوم السبت 25/6/2011 في زيارة لأخوتي، كنت متحمسة جداً لهذه الزيارة لأنهل من روعة هذه المدينة التي أحسها متحفاً كبيراً أينما نقلت نظري أجد الجمال، اللوفر. وكنائس نوتردام والساكريه كور والمادلين وإلى ما هنالك، في باريس يشعر الإنسان أنه متخم بالجمال بكل معانيه..

لكن ما إن بدأت رحلة الانطلاق إلى المكان الأحب إلى قلبي وهو الساحة قرب كنيسة نوتردام حتى فوجئت أنني علقت بزحام في السير لم أر مثله في حياتي، المشوار الذي كان من المفروض أن أقطعه في نصف ساعة استغرق ثلاث ساعات!‏

لم أتمكن من لجم غضبي فسألت الشرطي خير، ما سبب هذا الازدحام؟ فقال: إن هناك تظاهرة للشاذين جنسياً وأن يوم 25/6 هو اليوم العالمي للشاذين في فرنسا حيث ينطلقون في تظاهرة حاشدة يرفعون فيها شعارات تطالب بحقهم في الزواج والتبني وحقهم في توريث شريكهم بعد الوفاة وإلى ما هنالك من حقوق كالتي ينص عليها الزواج بين رجل وامرأة.‏

المدهش أن من كان يترأس هذه التظاهرة هو عمدة باريس بيرنارد دولانويه الذي لا يعلن فقط أنه شاذ جنسياً بل يتباهى بذلك، ودفعني الفضول لأترجل من الباص وأتفرج على التظاهرة وفوجئت بحشد يفوق المئات من رجال يرفعون لافتات تطالب بضرورة أن يحصلوا على احترام الناس وعلى حقوقهم والبعض منهم كان شبه عار لا يستر سوى عورته، والبعض كان يتزين برموز جنسية من أشكال عجيبة وبعضها تشبه الفاكهة والخضار.. وأترك لخيال القارئ أن يفرز ما شاء من صور..‏

زجرني الشرطي حيث عبرت عن استيائي وقلت كيف يسمحون لهؤلاء الشاذين بالتظاهر وثمة مئات بل آلاف من الأطفال والمراهقين يتفرجون عليهم ولم يعتبرني مختلفة فقط بل عنصرية لأني أنظر باستهجان إلى هؤلاء الذين يجمعهم الحب- على حد تعبير الشرطي الفرنسي- وقال: إنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال إطلاق كلمة شاذ فهي مبطنة باحتقار بل يجب أن نقول إنهم مختلفون..‏

طبعاً لم أكن بوارد مناقشة الشرطي الفرنسي الذي يمثل عقلية فرنسية أم أوروبية ترسخ قيماً أعتبرها خاطئة بل محرمة.. ومخالفة للطبيعة..‏

لا أحب أن أكون ديّانة ولا أن أطلق الأحكام على الناس، كل إنسان حر بحياته وميوله وهؤلاء الشاذون أحرار أن يعيشوا كما يرغبون لكن أن يسمح لهم بالتبني فهذه جريمة ماذنب طفل أن يعيش مع رجلين وأن يتمثل رغماً عنه شذوذهما..‏

أليست المخلوقات كلها أنثى وذكر.. أليس من الطبيعي أن يعيش الطفل بين أم وأب!..‏

وفي إحدى لقاءاتي مع شخصية فرنسية أدبية رفيعة المستوى عبرت عن استيائي من ذلك اليوم المخزي في فرنسا 25/6 أي يوم الشاذين واستنكرت تلك التظاهرة والغزل واللباس الذي لا يستر إلا العورات وبزعامة عمدة فرنسا، فضحك الكاتب الفرنسي وقال لي: لماذا أنت هكذا، فكري أيهما أفضل أن يعيش طفل مع رجلين متحابين منسجمين أم في ملجأ للأيتام. ووجدتني أجيب بعفوية: بل الأفضل أن يعيش في ملجأ للأيتام فهكذا يكون حراً لأن الطفل لا يملك محاكمة ولا حصانة ليحمي نفسه من سلطة كبار يزجونه رغماً عنه في نفق الشذوذ بل قد يحرفون ميوله الجنسية التي هي طبيعية أساساً ويرغمونه أن يصير شاذاً..‏

ابتسم الكاتب الفرنسي بشفقة من منطقي وقال: ياه أنتم العرب مساكين فهمكم للحياة ضيق ومحدود..‏

اللاحوار هذا ما استنتجته وأحسسته، ماذا أقول أو أعلق؟ وهل من جدوى من الغوص في حوارات لا نهائية، حجر الأساس فيها معطوب لأنني أؤمن أن من حق الطفل أن يعيش مع أم وأب ولا يحق لأي قانون أن يسمح للشواذ بالتبني سواء كان هؤلاء رجالاً يعيشون معاً أم سحاقيات..‏

أي مشاعر ضاغطة مروعة يحسها هؤلاء الأطفال وهم يعيشون مع شاذين! ثم أي انتهاك واحتقار لمشاعر الناس والأطفال حين يخرج المئات من الشاذين في مظاهرة ويترأسهم عمدة باريس يجوبون الشوارع وعيون الأطفال تراقبهم..؟!‏

هذه هي حرية أوروبا أن تعترف بالشاذين وتحترمهم وتقبلهم وإلا تنبذ وتتهم بالتخلف!..‏

عدت أدراجي مشياً على الأقدام كي لا أنتظر لساعات انتهاء مظاهرة الشاذين..‏

ورغماً عني بدا لي سحر باريس شاحباً.. وفاقداً للروح.‏

فكرت أن الأمكنة أرواح وليس مجرد حجر وتماثيل ومنحوتات..‏

لم أجد سوى السخرية تلطف ألمي، تذكرت مسرحية لتوفيق الحكيم من مسرح اللامعقول، تخيل فيها أنه سيأتي زمن سيتنصل الرجال والنساء من جنسهم وسيبتكرون مصانع لإنتاج الأطفال..‏

أظن أن هذه المباركة للشواذ جنسياً في أوروبا سوف تزيد من انتشار هذه الظاهرة وستعطب الأخلاق في صميمها وجوهرها لأن أساس الأخلاق هو الطبيعة، الطبيعة التي هي ذكر وأنثى.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية