تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


متى يصبح الإعلام بمستوى الوجدان الوطني؟

آراء
الخميس 14-7-2011
حسين عبد الكريم

معارضة أو موالاة تهمتان لغويتان، في أكثر الأحيان، تلحقان بالسياق والمفاهيم..

مثل بضاعة مستوردة دون تعريفات جمركية كافية ودون ضمانات... لكن الوجدان الوطني هو الحكم والفصل والثقة.. ولا يحتاج وصاية من إعلام أو أحزاب أو فلسفة مطعمة بهيل الأفكار الغربية ونكهات التصورات مسبقة الصنع، مثل الضواحي السكنية الحزينة حيطان بيوتها..‏

الإعلام العربي الذي طوره مال النفط تلوث كثيراً بحرائق ورغبات الذين لا يعنيهم إلا نهم غرائزهم وجوعهم المزمن وهمجية آمالهم المرتبطة بشبكة عالمية للهمجية وترويج الخراب وتوزيع الضحايا والفتن.. في الكثير من نشاطاته إعلام العرب النفطي لم يستثمر الوجدان العربي ولم يسع لتحديثه وتطويره ودعمه في مواجهة تلوث العولمة ولوثة الجشع الكوني الغربي الأميركي والأوروبي بل تخلص من أهميته ودوره، واصطف في ركب عيوب همجية الإعلام التي لا تقل لعنة عن الهمجيات الأخرى والعدوانيات الأخرى..‏

وقت الإعلام الذي من هذا النوع وقت مروع وعدواني وغبي وجدانياً بقدر ما هو ذكي تقانياً وتكنولوجياً.‏

الإعلام السوري لم يدخل في جوقة همجية الإعلام العربي المتورط بأغراض الجوع النفطي والبطر النفطي، لكنه ظل مركوناً جانباً بعيداً عن اهتمامات وشواغل الوجدان السوري مثل خابية زيت قديمة تناستها يد الوقت وتناستها أصابع يبست البيت بسبب أشغالها ودوختها.‏

كيف فعل الإعلام السوري بنفسه هذه الفعلة، وكيف ارتمى طويلاً في حضن القطيعة ولبكة البعد عن الوجدان وأحقية الناس بالتفكير والتعبير والتساؤل والتأمل والاعتراض على البؤس ورغبات الجهل وسيادة الفساد والقناعات المرتبكة بقلة فهمها وجدارتها بالحياة المتماثلة للشفاء وعافية الكفاءة والعلاقات الجيدة؟!‏

في الأزمة الكارثة افتضح أمر فساد وخراب غايات الإعلام العربي النفطي، فنهض الوجدان السوري باتجاه إعلامه المركون جانباً حيث الغبار وتطاحن المكافآت والدناءات والعلاقات، التي لاتنّم عن إعلام وعن ثقافة ووجدان بقدر ما تنّم عن ارتزاق ومحسوبيات..‏

الوجدان السوري بكل هيبته ورقيه انتفض، ونفض الغبار عن الإعلام والوسائل وتجاوز التقانات والصلات التكنولوجية بصلات أخرى جوهرية وقناعات، رغم عفويتها، بانت جدارتها ونظافتها وعنايتها الفائقة بحقائقها.‏

والذي نلمحه الآن، ليس تطويراً مصدره النشاط الإعلامي، بل هو الوجدان الراقي المتحفز للعمل ورعاية المصالح والحب وتصحيح المعلومات.‏

معلومات في طور العناية المشددة ومعلومات فقدت الحياة والصلاحيات وأساليب لا تبتكر لغة، ولا ترتكز إلى تقاليد.. إلى أن حضر الوجدان فهطل الصحو على المتبقي من المعلومات وأسقط الكثير من تهمة المعارضة والموالاة لصالح شراكة وجدانية وطنية أشمل من جميع التسميات وأرقى من غالبية المصطلحات..‏

وجدان وطني، بعد طول مكابدة ومعاناة، انتصر على ضعف الثقة واللغة والمعلومة والأساليب الإعلامية، وبنى رأسمالية وعي وعفوية نضرة، تعي مصير الوطن ومستقبل أفكاره وخبراته.. الوجدان هذا ساهم كثيراً في حماية إعلامه ومحاولة النهوض به وواجه بمفرده نفطاً إعلامياً عربياً غبياً تجاه مصيره أو يتجاهل ما ستؤول إليه المصائر والأيام.‏

(فاقد الشيء لا يعطيه) والضعيف وجدانياً لا يمكنه أن يعطي وجداناً وطنياً.. والمتسلق على حبال رياح العلاقات النفعية، لا يفهم أن يرفع من شأن الإعلام والعلاقات الإعلامية والثقافية.‏

لجنة نهوض؟ وقانون إعلامي وتعديلات إعلامية؟ نتمنى أن تتم العافية للوجدان الإعلامي ليصير بمستوى الوجدان الوطني.. وليس عيباً رعاية الخبرات والاهتداء إلى الكفاءة الثقافية والوجدانية، لدرء لعنة الانحطاط وسوء الحالة.‏

الثقة؟‏

من يثق بمن؟ الوجدان الشعبي هل يثق بوجوه الإعلام؟ من لا تثق به لا يمكن الامتناع بأفكاره ورؤاه.‏

لماذا كل هذا الهجر القسري بين الواثق والموثوق به؟ لا ثقة بعنوان أو مفردة أو خبر أو قائم على الأمور.‏

القائمون على الأمور أغلبهم قسريون: لولا الرغيف ولقمة العيش لا يلتفت إليهم آذن أو مهندس أو موظف الإعلام الوظائف والتنفيعات والسيارات والمكاتب والمفروشات هل بوسعه نيل ثقة وقناعة الوجدان الشعبي؟!‏

حصل هذا في الأزمة احتراماً لوطن يريد أن يبقى ويرقى ويتعافى..‏

مسؤول إعلامي بالترقيع والترفيع يأكل هيبة الخبر وعفة المعلومات ومثله (الشفيط الإعلامي) الذي يدعي الشطارة.. وهو ليس أكثر من كذبة تتجول بين السطور؟!‏

في طور الاحتضار والانحطاط من يحمل همة النهوض الإعلامي: وجوه تزدحم في ملامحها ومعانيها فصاحة التنفيعات وبلاغة المحسوبيات؟‏

الوجدان الشعبي قد لا يكرر ثقته، إذا استمرت الحالة الإعلامية على ما هي عليه من ادعاءات ومحاولات اخفاء الضعف بالضعف والالتفاف التشفيط الإعلامي والإداري ليس مجدياً في عبور المنحدرات والممرات الوعرة.. قد ينفع التشفيط والمشفطون أمام الحالات السلسة، مثل غمزات عينين سياحيتين تغمزان لأي عابر نظرات بود الهوى..‏

ليس سهلاً أن يمتلك وطن جميل وجداناً وطنياً جميلاً وراشداً ويحمي ضعف إعلامه ويتبناه ويرعاه، لعله يتربى ويتماثل للتطور والكفاءة والنجاح والمساواة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية