تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وجه آخر للمعادلة..

الافتتاحية
الخميس 14-7-2011
بقلم رئيس التحرير عـلــي قـاســم

لايبدو الأمر بحاجة لكثير من العناء لتقديم استنتاجات وحتى تفسيرات لهذا الاستنفار السياسي والدبلوماسي أميركياً وفرنسياً، خصوصاً أن تعليقات السيدة كلينتون ونظيرها الفرنسي كانت «فصيحة» بما يكفي، ولا تحتاج إلى توضيح أو شرح.

لكن وبالقدر ذاته فإنها تثير كماً لا متناهياً من الأسئلة التي تبدو أبعد قليلاً مما طفا على السطح بشكله الأولي، ويلامس وجهاً مستجداً في السياسة الدولية، يصر على الترويج لمفاعيلها القادمة بلغة من القصف السياسي الأهوج الذي يفتقد للحد الأدنى من أصول التعامل في العلاقات الدولية, ولا يتردد في استباحة سيادة الدول وأن يضع نفسه مانحاً يضفي الشرعية هنا ويسحبها هناك، وبأسلوب يحاول استرجاع عهود بائدة من التسلط الدولي.‏

في الحد الأدنى من أي قراءة أولية ولو كانت مستعجلة ثمة مساحة فاصلة تكشف عن خيوط مترابطة تحاول أن تدير كفة السياسة الدولية وفق منهج بطلت مفاعيله وتلفت أدواته، وعملية الاسترجاع هنا تحاول أن تنبش في قاع الأطماع عن تبرير سياسي يزيد حجم التضليل الإعلامي والسياسي الذي يمارس سطوته إلى حدها الأقصى.‏

وفي الرسائل التي تحملها فإن دلالاتها لا تبدو خافية على أحد، وليس هناك من ينكر وجودها، وهي مزدوجة وفق معيارين: الأول يشير إلى الإفلاس السياسي لكل المحاولات السابقة، والثاني إلى التلهف لأي نافذة يمكن من خلالها النفاذ لمواصلة الضغط.‏

والأهم هو السياق الذي يراد له أن يقود التطورات المتلاحقة، والتي تعكس إلى حد بعيد رغبة في المضي أبعد في الضغط.. واستخدام كل الأوراق ماتلف منها وما لم يتلف.. ما سقط وما يُحضّر.‏

ليس جديداً القول إن المعادلة القائمة تعاني خللاً منذ زمن بعيد، لكنها في هذا الطرح تظهر وجهاً مريباً لم تشهده منذ عقود طويلة، حين تمارس تلك الدبلوماسيات هَوَسها السياسي التي تريد أن تأخذ الأحداث خارج إطارها، وأن تبعدها عن التراتبية التي أنتجتها، وحين تحاول تجريد الحدث من كل حيثياته.. من أسبابه ودوافعه.. من خلفياته لتأخذه مجرداً، وكأنه خلق من فراغ يتجاهلون ماقبله، ويرسمون على تداعيات مابعده.‏

غير أن ما لم تتضمنه تلك الرسائل، أو مالم تدركه تلك الدبلوماسيات أن الأمر في سورية ليس مقتصراً على إرادة سياسية لاتقبل بأي مساس من أي مصدر كان، بل هو أيضاً انعكاس لحالة شعبية تمارس دورها في رسم تلك الإرادة التي تعبر عنها بشكل مباشر، وهي بالتالي التي تحدد شرعية وجودها، وهذا أمر يجب ألا يغيب عن بال أي دبلوماسية.‏

فسورية التي بنت رؤيتها وموقفها على أساس ثوابتها الوطنية والقومية تدرك حدود ومساحة الاستهداف وتدرك أيضاً أنها حققت على مدى سنواتها الماضية ركيزة لعلاقة متزنة وقوية تستطيع أن تبني عليها لتجاوز كل هذه القطوع.‏

لا نعتقد أن أحداً من السوريين لم تستفزه ممارسات السفيرين الأميركي والفرنسي، وحتى القلة القليلة التي تعاطت معهما بدت معزولة، وآليات الرفض لها لم تغب، والسؤال لماذا يرون تفاصيل موقف يرد مشوشاً ومقتبساً ومجتزأ، فيما يتجاهلون تلك الأصوات التي عبرت عن غضبها وبصوت عالٍ تردد صداه في كل تفاصيل الوطن السوري.‏

وإذا كانت سورية حريصة كل الحرص على تأمين وحماية كل الدبلوماسيين، وحريصة أيضاً على القيام بواجبها على أكمل وجه، فإنها بادرت إلى اتخاذ كل مايلزم، ولم تتردد في استخدام كل الوسائل الكفيلة بتأمين ذلك، ونجحت في أن يقتصر الأمر على الماديات، ولم يصب أي دبلوماسي بأذى.‏

قد لاتكون المعادلة اليوم قائمة على النقاش المنطقي، و لاهي رهن بمحاكمة منطقية تحاكي وقائع وقرائن وأدلة، بقدر ماهي انعكاس لخلل في الميزان السياسي الذي تمارس فيه القوى الكبرى سطوتها حتى على المنطق، وعلى القرائن والأدلة.. فتظهر مايخدمها، وتتجاهل مايتعارض مع منطقها، تطرح ماترغب به، وتتعامى عن كل مالاتريده!!.‏

إنه الوجه الآخر لخلل العلاقة، واضطراب المعادلة، والذي يؤشر إلى ذلك .. الخلط المتعمد في قراءة أي مشهد على المسرح الدولي.‏

لذلك بدت المقاربة التي قدمها السيد نبيل العربي، أمين عام جامعة الدول العربية، بروحيتها الجديدة فرصة سانحة ومهمة في التوقيت والدلالة تعكس الرغبة في أن يكون للإرادات العربية موقعها، لعلها تستعيد شيئاً من بريقها الذي خفت وكاد يتلاشى.‏

a-k-67@maktoob.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية