|
شؤون سياسية للانفصاليين في السودان لما تجرأ أحدهم على كسر المحظور من عقود طويلة ووضع قيام الدولة على سكة التنفيذ الفعلي، الولايات المتحدة تقدم دعماً مالياً سنوياً يقدر بمليار دولار، وتصرف هذه المبالغ الضخمة في إنشاء البنية التحتية وتدريب رجال الأمن وإنشاء ماوصفته بأنه جيش قادر على حماية المنطقة . خلاصة الكلام إن الدويلة التي صنعت في الولايات المتحدة ماكان لها أن تبصر النور لولا الدعم الأميركي الكبير ، ولن تكون بطبيعة الأمر سوى منفذ للمشيئة السياسية الأميركية التي رعتها ، ووكيل شرعي لأعمالها ومدبر فعلي لمصالحها الحيوية في هذه المنطقة الهامة . من هنا كان لتصريحات رئيس بعثة حكومة جنوب السودان في واشنطن ايزكيل لول جاتكوث التي أكد فيها أن دولته ستقيم علاقات مع«إسرائيل» وقعها الخاص فمصالح « إسرائيل » في المفهوم الاستراتيجي الأميركي هي مصالح أميركية بالدرجة الأولى، ولولم تكن هناك مصلحة إسرائيلية في إقامة دولة جنوب السودان لما كان حصل مايحصل اليوم في هذه الدولة العربية الافريقية. ويذكي هذه الحقيقة أن انفصال جنوب السودان يجد مساندة قوية من اليمين المسيحي المتصهين في الولايات المتحدة، ومن اللوبي الصهيوني ولوبي الأميركيين من أصل أفريقي في الولايات المتحدة لإقامة دولة علمانية تحد من المد العربي والاسلامي إلى داخل القارة الأفريقية . وفي حين جهر مبعوث جنوب السودان في واشنطن علناً بحتمية العلاقة مع «إسرائيل» كان يجري سراً توثيق العلاقات في جوبا حيث أكدت مصادر متطابقة حصول لقاءات بعيداً عن الاعلام بين مسؤولين من وزارة الاستثمار في حكومة جنوب السودان ومسؤولين حكوميين إسرائيليين بهدف الاتفاق على فتح مطار جوبا أمام طيران «العال» الإسرائيلي وتؤكد المصادر ذاتها أن مجموعة « شالوم المتحدة» التي افتتحت شركة صيرفة في جوبا توسعت أنشطتها وتولت إقامة فندق خمس نجوم في عاصمة الجنوب، وأشارت إلى أن جهاز المخابرات الإسرائيلي « الموساد» ينشط في تمويل أسلحة وعمليات تدريب لحركات دارفور المسلحة للتمرد ضد الحكومة السودانية ، خصوصاً بعد احتضان حكومة الجنوب زعماء فصائل حركات دارفور الموقعة على اتفاق أبوجا للسلام. طبعاً الاستراتيجية الإسرائيلية - الأميركية في جنوب السودان لاتتعلق فقط بمصالح اقتصادية ضيقة، إنما الأمر يتعلق بالأساس بالمصالح السياسية والأمنية الكبرى لإسرائيل لاسيما في مواجهة احتمال عودة مصر إلى الاضطلاع بدورها العربي الفعلي ، ولعل الدراسة التي أعدها البريغاوير الإسرائيلي المتقاعد موشيه فيرجي لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب تحت عنوان:« إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان ، نقطة البداية ومرحلة الانطلاق » تلقي بعض الضوء على الأهداف الإسرائيلية في السودان. يقول فيرجي في دراسته إن التدخل لم يكن يوماً بسبب السياسات السودانية التي لم تشكل أي خطر مباشر في السابق على «إسرائيل» بل بسبب مايمكن أن يشكله السودان من خطر على الأمن الإسرائيلي مستقبلا، باعتباره عمقاً حقيقياً لمصر التي هي في نظر «إسرائيل» أكبر خطر يتهددها، وثالثاً يجب أن يكون التعامل مع السودان بالمستوى نفسه الذي يكون فيه التعامل مع العراق، ويجب أن يرتكز ذلك على التباين العرقي والطائفي والمذهبي الذي هو في نهاية المطاف الضمان الوحيد لكي يصير السودان عاجزاً عن القيام بأي عمل كبير ضد«إسرائيل» أو تقديم الدعم ضدها لدولة في حجم مصر . وتالياً فقد رأت « إسرائيل» توسيع استراتيجيتها المخصصة للقرن الأفريقي بحيث يدخل إلى صميمها الموقف من جنوب السودان . ويقول فيرجي إن هذه الاستراتيجية صاغها في البداية ديفيد بن غوريون وأوري لوبراني ، وانطلاقاً منها بدأت « إسرائيل» بالتحرك لدعم كل الحركات الانفصالية التي تهدد الحكومة المركزية في الشمال بعدما فشلت في التغلغل في صفوف الزعامات في شمال السودان التي كانت أكثر فاعلية في الحياة السياسية السودانية ، يضيف إن«إسرائيل» جعلت أثيوبيا مرتكزاً لها، وقد تولى الاتصالات مع متمردي جنوب السودان المدير السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية ديفيدكمحي. ويؤكد أن الدعم الإسرائيلي هو الذي مكن حركة التمرد من الاستيلاء على مدن رئيسية في جنوب السودان ، وكانت « إسرائيل» تمد المتمردين بالسلاح ، كما كانت تقدم الاستشارات والتدريب من خلال خبرائها المقيمين في أثيوبيا. واستخدمت الحكومة الإسرائيلية سياسة جديدة أطلقت عليها« شد الأطراف» استهدفت توتير الأجواء بين الحكومة السودانية والدول المجاورة حتى لاتتمكن الحكومة السودانية من تنفيذ سياساتها بالتعاون مع هذه الدول. وتركز الدراسة على أن الدعم الإسرائيلي هدف إلى إحباط الدعم العربي للحكومة السودانية وعرقلة العمل في قناة جونقلي والتحذير من هجرة الفلاحين المصريين إلى جنوب السودان والتركيز على أن يكون الجنوب دولة مستقلة بهوية افريقية . وأرسلت «إسرائيل» الخبير الاقتصادي البروفسور ايلياهولونفسكي من أجل تقدير الثروة النفطية الجنوبية ونصح الجنوبيين بالانتفاع بهذه الثروة . ويرى التقرير الإسرائيلي أن اتفاقات ماشاكوس لم تكن حلاً للخلافات بين الشمال والجنوب بقدر ماوضعت الأساس العملي والشرعي لانفصال الجنوب عن شماله وذلك من خلال قبول حكومة الشمال مبدأ تقرير المصير ، ومطالب أخرى تقدم بها جون قرنق وطورها لاحقاً سليفاكير ميادريت إلى حد الانفصال الكامل. |
|