تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كأنك أنثى النهار الأخير للشاعر إبراهيم عباس ياسين

ملحق الثقافي
28/3/2006
هالة المحاميد

بعيداً عن المصطلحات النقدية المسبقة الصنع وبعيداً عن الحذلقات الأدبية والمجاملات التي لا تنفع بل تسيء, وخاصة إذا كانت غير صادقة وغير مسؤولة,

فتكيل المديح للرديء لمنافع وأغراض شخصية ولا تستطيع أن تقع عينها على الجيد ربما لقصر نظر منها أو عدم دراية به ما يسيء إلى شعرنا الجميل وشعرائنا المبدعين, فتغدو ساحتنا النقدية خالية من النقد الواعي المبدع الذي يواكب الإبداع الحقيقي فيطفو الشعر الرديء على السطح ويتراجع الجميل ليصبح أسير القاع باحثاً عن يدٍ واعية تنتشله وتقدمه للباحثين أبداً عن الإبداع والجمال. بعيداً عن كلّ هذا أجدني كقارئة أبحث عن الإبداع والجمال أدلو بدلوي في مجموعة(( كأنك أنثى النهار الأخير )) للشاعر إبراهيم عباس ياسين, لما فيها من ألق وإبداع وجمال تتوق النفس إليه وتبحث عنه كثيرا وقلما تجده بين عشرات المجموعات الشعرية التي تصدر كلّ شهر أو كلّ يوم إذا لم أبالغ. ((كأنك أنثى النهار الأخير)) آخر ما أصدره الشاعر إبراهيم عباس ياسين,تقع المجموعة في مائة وعشرين صفحة من القطع المتوسط, تضم بين دفتيها ثلاثين قصيدة وقد صدرت مؤخراً ضمن منشورات اتّحاد الكتّاب العرب للعام/2005/. إبراهيم عباس ياسين من الشعراء الذين استطاعوا وعلى امتداد أكثر من عشرين عاماً أن يواكب القصيدة الحديثة ويبدعها شكلاً ومضموناً بعيداً عن التقليد أو التأثر, فشكّل على امتداد هذه الحقبة صوتاً شعرياً خاصاً به وحده,وعلى امتداد أكثر من تسع مجموعات شعرية. (مري ببالي مرور النسغ في الشجر وفي خيالي كعطر الليلك انتشري مري كبرق بأعراقي وذاكرتي وأيقظي في دمي ما نام من شرر).*نشيد السندباد* ص14 ديوان الشاعر. بهذه الصورة الشعرية الجميلة وهذه الغنائية الطافحة والعالية الإبداع يكتب إبراهيم عباس ياسين تباريحه ويضمنها روحه ليعطينا صورة حقيقية لأنثاه الغائبة الحاضرة أبداً والتي تسكنه من أمد لا يعرفه دون أن يعرف ملامحها أو يراها لكنه يتقراها تسكن الأرض الفضاء فأنّى اتّجه يحسها تخطو في دمه وتسكن حروف قصائده..كلّ ذلك ضمّنه الشاعر قصيدته عبر لغة شعرية رائعة وصور خلاقة مبدعة , فالشاعر لم يسمع سوى صوت دمه ولم يكتب سوى خطوات أنثاه فوق الورق فهو مسكون أبداً بالحبّ والحنين والترحال منها وإليها. القارئ لشعر إبراهيم عباس ياسين عموما ولهذه المجموعة خصوصا يجد أنّ الشاعر يكتب للإنسان والوجود والحبّ بكلّ أشكاله, فلأرض الثكلى الموبوءة بالخيانة والتشرد والضياع هي كأنثاه التي يبحث عنها في زمن يقتل العصافير ويصادر رسائل الحبّ بتهمة اللاشرعية والخيانة, فالحبّ عند إبراهيم عباس ياسين في هذه المجموعة حالة خاصة تأخذ عنده صفة العموم,أما خصوصيتها فتكمن بصدقها ونقائها في نفسه وروحه وفي كلّ ما كتب,أما صفة العموم فتكمن بذلك المزيج المتجانس بين المرأة الحبّ والأرض, الوطن والإنسان, فالحبّ عند الشاعر حالة شعرية دائمة مليئة بالخصب والعطاء وليس مجرد حالة عابرة يستحضرها بالهلوسة والولادة القيصرية ونقرأ: (بغداد ها أنذا آتيك على قدمي غبار الدرب, وفوق جراحي ينمو العشب وعلى كفيَّ دمي الناري كأنّ زنابقه كالشهب ها أنذا آتيك فهزي-آه-بجذع القلب إليك يساقط بين يديك لآلئ/ من عشق مكنون). *بغداد*ص75 ديوان الشاعر. بهذه اللغة الشعرية المحلقة وعبر هذه الصور التي تكاد تنطق دون كلام يمزج إبراهيم دمه ليستنهض عنقاءه من زمنه المستحيل تاركا لنا آثار دمه الناطق لنعرف ليلاه ومنفاه بحس تذوقنا لما كتب وأبدع دون صنعة مفتعلة أو تقليد أعمى. أعتذر فأنا لا أستطيع أن أقول أكثر لأني لا أمتلك مصطلحاً نقدياً جاهزا أو مسبق الصنع لأكتبه... كلّ ما أملك هذا الإحساس الجميل بالإبداع وهذه الجمالية المرهفة التي احتوتني وأنا أقرأ (( كأنك أنثى النهار الأخير)) للشاعر إبراهيم عباس ياسين...وحسبي ذلك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية