|
ملحق الثقافي
حين تعلم أنه يمارس الرسم تشعر بالإعجاب و التعاطف معه لصغر سنه وعوده ذي الخمسة والأربعين كيلو غراما. أما حين تسمع كلامه الهادئ المؤدب تنتابك رغبة في خوض حديث معه برغم كلامه القليل، وعندما يرى المرء أعماله المعروضة في بعض صالات دمشق المرموقة تنتابه دهشة واكبار. إنه الفنان الشاب " أحمد رامي أورفة لي " المولود في دمشق عام 1983، خريج المعهد المتوسط الفني، شارك بمعارض عديدة للشباب، و مسابقة رسم البورتريه لعام 2004. فهو يرسم بتقنية التصوير الزيتي بطريقة منمنمة يصور فيها الطبيعة و الإنسان ليُخرج عملاً يفوق سنه، و تجده بتصويره هذا يجتر ما شهده في ماضيه الذي بدأه في حي الشعلان بدمشق، ثم انتقل إلى حي اليرموك، ومن ثم إلى بلدة قطنا،ليعود أخيراً إلى اليرموك. بظروفه الأسرية الصعبة التي لم تخل من مآس على طفل لم يتجاوز عمره سنوات معدودة كانت صوراً لعوالم بائسة آنذاك مخزونة في ذاكرته يحاول الآن اجترارها و صياغتها بألوانه الخاصة مضيفاً إليها رؤى أملية في النور و الكتل قائلاً بذلك من خلال هذا التنوع أن ماضيه كان متنوع الآثار على إنسانيته و عاطفته،مظهرا الجميل منها كالحلم وراسما اجمل منها لواقعه الجديد، هاربا مما مضى بنور لوحة ساطعة وخفة ريشة واضحة وتقنية لون ذات حرفية مميزة مجملا بذلك طبيعة مهملة او خربة مررنا بها يوما كأنه يوصل رسالة من ماضينا لحاضرنا وكيف يجب ان يكون مستقبلنا. أما حين يرسم الفنان رامي الشخوص يسقط أحلامه عليها و يحملها صفات الأشخاص الذين مروا عليه و تعاطفوا معه مؤخراً، كصورة لوالد او والدة أوجد أو جدة، راسما واقعا جديدا لشخوص حياته في لوحات محاولا تطبيق الصعب في فن البورتريه وما يميل اليه من اعمال سادت في القرن الثامن والتاسع عشر، كما يشرح هو ذلك. و حينما يتلمس بدراسة و حرفية تنوعات مدارس التشكيل، يميل الى السريالية، تراه يخبرك بلون و حركات ريشة هادئة النزق عن قدرته في استلهام الضوابط الفنية في رسم اللوحة، مع التاكيد بان يكون الموضوع انسانيا معايشا لواقعنا كما يقول هو عن ذلك. وكان رغم معاناته الطفولية الأولى، التي تنغص عليه ساعات يومه إلى الآن نتيجة الوضع الاجتماعي بما فيه من تنقل متعب وواقع اسري مشوش،بالاضافة لحالة صحية منغصة لهذا الجسد النحيل، الذي لم يثنه عن الدأب و العمل و تلمس خطى العيش، كان يسرق حركات لقلمه الرصاص فيرسم في طفولته الاولى السندباد، و يخطط على مقعده الدراسي مدينة الاحلام، حتى ينتقل بعدها و هو في سن التاسعة إلى تجربة شيء ما يسمى الفرشاة و الألوان المائية، فيجرب طفولياً محاولاً تطوير نفسه بغياب التوجيه المدرسي والأسري لتلك الموهبة جهلا ثقافيا او انشغالا بلقمة العيش. و عندما سمع بأن هناك لوناً زيتياً جربه على الكرتون مرات عديدة، ثم على قماش الإعلانات المهملة من أحد معامل القهوة التي عمل فيه. بعد سن الخامسة عشرة و بالإحساس الفطري غطى القماش بالغراء والنشاء أولاً ثم رسم عليه، وبرز مشجعه الأول محاسب المعمل ابو شادي الذي يكن له الاحترام، حتى أصبح رامي يأخذ رسومه إلى المعمل مستجدياً إعجاب هذا الإنسان الرائع، و تطورت تلك المحاولات حتى التاسعة عشرة من عمره، ليبيع لوحتين بقيمة ستمائة ليرة سورية، ويعود إلى البيت باكيابعدها يعتزم إعادتهما لما احسه من التصاق وجداني فقده بفراقهما, وكم تمنى أن يلاقي فنانا من لحم ودم يشبه رسومه التي يتأملها في التلفزيون والشارع، وبات ذلك شبه حلم، الى ان قادته قدماه و قدره إلى شخص وجد فيه ضالته في شكل و صورة و كلام الفنان الذي بحث عنه بين الوجوه في كل مكان.. فكان له صدراً دافئاً أضاف إلى نتائج بحثه العفوي علماً، و وضح له بأن الرسم رسالة إنسانية تسطر على سطح فارغ يملأه الرسام بثقافة ومعاناة و خبرة، و أضاف له ذلك الأستاذ بأن العمل الفني لا يعتمد على الإحساس العاطفي فقط بل يجب أن يتلازم مع دراسة للون و الكتلة و توابع مكونات اللوحة مع الهدف الأساس للعمل الفني، و تسبقه قراءة صحيحة للأعمال و قدرة على التحليل الذي يمكن أن يكون خاصاً و فردياً لكل شخص. |
|