|
عن لوفيغارو الروائي البرازيلي باولو كويلو الذي حلم في صغره أن يصبح كاتباً كبيراً لم يلفت الانتباه حين نشر كتابه الأول في الثمانينات وروى فيه رحلته إلى كومبوستيل لكن عندما نشر كتابه الثاني «الخيميائي» عام 1988 مجموعة القصص الاسطورية ذات البعد الحداثي والتي كتبها خلال خمسة عشر يوماً كان له وقع الصاعقة وبشكل مفاجئ فقد حقق انتشاراً شعبياً كبيراً انتظره طويلاً. غير أنه حتى عام 1994 لم تتخط سمعته حدود بلاده لتكون الانطلاقة فيما بعد من باريس حيث بدأت شهرته العالمية على يد الناشرة آن كاريير التي أسست داراً صغيرة للنشر وقتئذ واختارت كتابه لتبدأ به، إذ كانت واثقة جداً من أهمية الكتاب وأول ما بدأت بإصدار 1500 نسخة أعقبته بـ 300 ألف نسخة في العام التالي لتبلغ المبيعات خلال عشر سنوات 3.5 ملايين نسخة. شيء لايصدق فسرعان ما أصبحت سانتييغو للراعي الصغير الأندلسي الذي باع قطيعه ليعيش (الاسطورة الشخصية) حدثاً عالمياً، وإن كانت فرنسا البلد الأول الذي حقق فيه كويلو هذا النجاح فإنها أيضا المكان الأول للحراك النقدي الكبير الذي بدأته الصحافة حول هذه الراوية وكانت بمعظمها معجبة بنتاجه، حيث رفعه الناقد كريستيان شاريير إلى مصاف العظماء في مجلة لوفيغارو الأدبية قائلاً عنه:«لقد شكلت كتابته طريقاً حيوياً تقود القارئ إلى مبتغاه حيث يجد ذاته نحو روحه الغامضة والبعيدة». ثم يتغير المسار باتجاه النقد اللاذع وتعنون مجلة باري ماتش حديثها عنها بالقول: لقد حوّل كتاب الخيميائي القراء إلى قطعان غنم. أيضا من الانتقادات القاسية ضد الكاتب يقول ميشيل بولار: إذا كان باولو كويلو يعتقد نفسه أنه ابن ثورة أيار 1968 فآمل ألا أكون أباً لهذا الساقط ابن الزانية. لقد أصبحت رواية الخيميائي موضوع المجتمع الفرنسي بأكمله حيث انقسم الناس إلى فئتين مؤيدين ومعارضين. أما كلود ليلوش السينمائي الكبير فيتخذ موقف المدافع قائلاً: إنه دون أدنى شك الكتاب الذي تأثرت به كثيرا خلال السنوات العشر الأخيرة، ويؤيده لوك فيري الرأي بالقول: باولو كويلو أحد الكتّاب النادرين الذين استطاعوا أن يثبتوا قدرتهم على الخلق والإبداع من خلال قصص خيالية وضعها في أيدي البالغين وليس فقط للأطفال. ويعلق نيكولا ايلوت في مجلة مدام فيغارو فيرى أنه قد تأثر كثيراً بكتاب كويلو وهكذا فإن المدافعين عن كويلو كالوا الاتهامات ضد الصحفيين الباريسيين ووصفوهم بالوقاحة والاستعلاء والحقيقة أنهم ليسوا مخطئين في قولهم هذا، لكن ألا يعتبر هذا بمثابة كم أفواه تجاه كل نقد بناء؟ وهل في الخيميائي الصغير كتاب حكمة عظيم أم هو خلطة سيئة للجيل الجديد؟ إنها قصة تلقينية تدعو إلى معرفة اتخاذ الطريق الصحيح وعلينا الاعتراف له بهذا الفضل، ففي الكتاب دعوة للاعتقاد أن للحياة معنى كبيراً وأنه لكل منا أن يختار الطريق الذي يناسبه. وهذا بالضبط ماكنا نتوق لقراءته أعوام التسعينيات عندما دخلت الديانات والايديولوجيات إلى متحف الرعب. لقد عمد باولو كويلو إلى صنع خلطته الفكرية من حكم المفكرين الكبار وأوصلها إلينا ببساطة أكبر وراديكالية أقل، كأن يقول لنا مثلاً: إذا أردت شيئاً ما فالكون كله مسخر لخدمتك ومتاح لتحقيق رغبتك. كذلك قوله: أياً كان فعله فكل امرئ على وجه الأرض له دوره الأساسي في تاريخ العالم. إذا لا يمكن لهذا الشخص إلا أن يصل إلى الشهرة، وخاصة عندما يتوجه إلى قرائه بأن لرغبتهم قوة كبيرة وأنهم مركز لهذا الكون. وتكشف لنا آن كاريير بعضاً من أسراره، فهذا النجم الكبير متواضع جداً فقد كان يرسل إلى البرازيل لصاحب دار النشر سجائره المفضلة، وهو محب للسفر كثيراً ولايحمل في حقائبه إلا بديلاً واحداً لثيابه وشاءت الصدف أن خادمة الغسيل قد تأخرت مرة في غسل قميصه فاضطرت آن كاريير أن تذهب إلى السوق وتشتري له قميصاً آخر. لم يكن كويلو يحتمل التناقضات كان يهوى المديح وتلقي الأوسمة وقد منحه جاك شيراك وسام جوقة الشرف وعن ذلك تقول آن كاريير:إن باولو كويلو ككل المشاهير محب لذاته وواقع في مخاطر الشهرة التي دفعته لعدم التمييز بين صورته الشعبية وشخصيته الأساسية، وهكذا يبدو أن الإعجاب والمديح والمجاملات تجعل النجم دون أفق. آن كاريير التي اكتشفت الخيميائي بفضل إحدى بنات عمها والتي أقنعتها عندما كانتا طفلتين أن بابا نويل خدعة وغير موجود، اقتنعت بعد هذه السنين بوجوده بل التقته إنه باولو كويلو الذي جعل ملايين القراء يحلمون. |
|