تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غربلة لشركات الصيرفة .. بعضها يسير بخطى واثقة والبعض يلهث وراء التخريب.. صيـــارفـة يطـلـبـــون اقـتـحـــام الجــــدار .. ويعرضون على سورية إغراق السوق بالدولار

دمشق
الثورة
اقتصاديات
الخميس 21-7-2011
على الرغم مما أعطته بعض شركات ومكاتب الصرافة السورية من تصورات بائسة وانطباعات مريبة إثر ركوبها موجة الاصطفاف في مواجهة البلد من مختلف الاتجاهات، للإمعان في تخريبه وإضعافه سواء كان عن سابق قصد وترصُّد وسوء نيَّة،

أم عن عدم الإدراك للأمور وأبعادها، وفي كلا الحالتين مصيبة رغم التباين الشديد بينهما، فلم يعد خافياً ذلك السلوك اللامسؤول الذي بدر عن بعض تلك الشركات والمكاتب، والمتمثّل بتجاوز الأنظمة والقوانين التي ترعاها وتلاحق تطبيقها السلطات النقدية، حيث راحت تلك الشركات والمكاتب بفتح ثغرات وأنفاق تمتدُّ من تحت طاولات العمل وكونتواراته عبر دهاليز ومتاهاتٍ، إلى ميادين السوق السوداء للقطع الأجنبي، لتبيع الليرة وتشتري العملات الأجنبية من السوق وتمتنع عن بيع هذه العملات وتصريفها في مكاتبها تمهيداً لتحويلها وتهريبها، لزيادة الضغط على الليرة عبر تضخيم عرضها والحدّ من طلبها وتحويل مقود الطلب إلى الغرف المظلمة التي تتكدّس فيها الدولارات وأوراق اليورو ومختلف العملات الأجنبية القابلة للتحويل، فيرتفع سعر الدولار والعملات الأجنبية الأخرى مقابل انخفاض سعر الليرة، فنقع في مستنقع التضخم وارتفاع الأسعار، ومن يدري فقد يكون فعل ركوب تلك الموجة من قبل بعض هذه الشركات والمكاتب، يُصنّفه البعض ضمن الأفعال الرامية إلى ( الحرية ) إذ بدأنا نلمس وبوضوح المستوى الأعوج لمفهوم الحرية الذي يحاول البعض من خلاله – في هذه الأيام – عدم الاعتراف بالحدود الواضحة جداً والتي لا تُهمّش حرية الآخرين فقط، بل وتعتدي عليها أيضاً، غير أن تلك المتاهات والدهاليز لم تكن غائبة عن انتباه السلطات النقدية والتي يُسجَّلُ لها هنا سرعة القرار وكفاءة الردع سواء كان بإغلاق ( 27 ) شركة ومكتب صرافة في السوق السورية وبلا تردد، أم بضخِّ المزيد من العملات الأجنبية في السوق بما كان كفيلاً لإحداث توازنٍ نقدي ملموس، ولم تستطع تلك الشركات والمكاتب أن تمضي بخطتها أو بتنفيذ خطط غيرها الرامية إلى تشويه أسعار الصرف مع إدراك منعكسات ذلك على السوق وعلى المواطنين جميعاً.‏

على الرغم من ذلك كله فقد أبدت العديد من شركات ومكاتب الصرافة الأخرى في السوق السورية مواقف إيجابية ووطنية بامتياز، وعلينا أن نُسجل لها هذه المواقف في لوحات شرف العمل الصيرفي والوطني أيضاً، لأنها جاءت في هذه المرحلة، حيث حافظت وأصرّت على التزامها الحضاري بالقوانين الناظمة للسياسات النقدية، وتقيّدت بأسعار الصرف الحقيقيّة التي يعتمدها مصرف سورية المركزي يومياً، وأدارت ظهرها للسوق السوداء، لتُمسي على بياض وعلى قاعدة صحيحة ونظيفة.‏

ولم يتوقف هؤلاء الصيارفة الوطنيين عند جدار هذا الالتزام بل قام بعضهم فوق ذلك بإبداء استعدادهم للذهاب إلى أبعد من ذلك بكثير، عندما أبدوا استعدادهم وطالبوا مصرف سورية المركزي بمنحهم المزيد من المرونة والحرية بما يتيح لهم وضع سُلَّمٍ يتيح لهم الصعود درجات عليه يتمكّنون من خلالها تأمين وشراء كميات كبيرة من العملات الأجنبية من الخارج – ومن وراء ذلك الجدار – لتكون جاهزة للضخّ في السوق عند اللزوم، ولتًشكّل – هي الأخرى – قوة ردعٍ نقدية قادرة وبقوة على مواجهة أي تواطؤ مُحتمل يستهدف النَّيل من مكانة الليرة السورية .‏

لم يتلقَّ أولئك الصيارفة الوطنيين أيَّ جوابٍ معلن لمقترحهم حتى اليوم، ولكن هذا المقترح الذي طرحوه على الطاولة يبقى جاهزاً للتنفيذ عند اللزوم ويبقى حالة احتياطية مضمونة في يد السلطات النقدية التي نعتقد أنها لن تحتاج إليها إن شاء الله، فهي مبدئياً تُدرك جيداً أن تأمين القطع الأجنبي الناجم عن الإنتاج الحقيقي في المناحي الاقتصادية يبقى أفضل وأقوى بكثير من القطع الناجم عن الشراء، والذي سيكون على حساب توفر العملة الوطنية ومدى انسيابها الطبيعي وتداولها في السوق.‏

السلطات النقدية تعرف جيداً أنَّ القطع الأجنبي الناجم عن حركة اقتصادية وإنتاج حاصل على الأرض من شأنه أن يُحدث حالة من التوازن القوي والمتماسك للحالة النقدية الوطنية، لأن مبالغ القطع الأجنبي وقتها تُعبّر عن تغطياتٍ إنتاجية للاقتصاد الوطني لا يُخشى عليها ولا تؤثّر على سعر الصرف إلا بشكل إيجابي، لأن تلك المبالغ تكون موازية لحجم الإنتاج الاقتصادي، أي أنَّ هذا الإنتاج يمنح الليرة قوة إضافية ومتوازنة، وهي بموجبه تُعبّر عن مكانتها الحقيقية والموضوعية الثابتة، أما إذا أقدمنا على شراء القطع الأجنبي بطريقة المضاربة بالعملات فسوف يكون لمثل هذا الشراء مخاطر كثيرة محتملة، كأن يرتفع سعر الليرة أمام تراجع عرضها وزيادة الطلب عليها دون مبرر إنتاجي ودون تغطية إنتاجية تتكفّلها سلعٌ تنتج محلياً وتُسدّدُ أثمانها بالليرة عند شرائها ومن ثم استهلاكها، أو بالدولار واليورو – مثلاً – بعد تصديرها، وفي مثل هذه الحالة يكون لارتفاع سعر الليرة محاذيره الكبيرة على جدوى الإنتاج الوطني ومردوده، حيث ستواجه السلع المنتجة وطنياً انخفاضاً ذريعاً بالأسعار يكون مشوّهاً وغير طبيعي، وتظهر الآثار السلبية لذلك عندما يريد المنتج أن يستورد – من حصيلة إنتاجه – بعض الاحتياجات كالمواد الأولية وغيرها، فسوف يتفاجأ وقتها بأنَّ سعر الصرف خارج البلاد يختلف كثيراً عن سعره في داخلها، الأمر الذي سيوقعه بارتباك شديد، وبتلمُّس تلك الفروقات المُشوّهة، غير أنَّ الضغط الداخلي على الليرة إن كان مرتكزاً على تهريب العملات الأجنبية وزيادة سعر هذه العملات بشكلٍ مشوه أيضاً يستهدف تخفيض سعر الليرة على منحى غير طبيعي ولا سليم، فإنَّ شراء العملات الأجنبية وقتها وبما يوازي حجم المُهرّب منها فقط، فإنَّ هذا من شأنه أن يعيد التوازن إلى قيمة العملة المحلية وإبقائها ضمن حدودها المعقولة، ومن هنا يأتي مقترح بعض شركات ومكاتب الصيرفة السورية باستعدادها لشراء العملات الأجنبية من الخارج في غاية الأهمية كصمام أمان يمكن من خلاله بالفعل ردع أي محاولة للعبث بمكانة وقيمة الليرة السورية الحقيقية، لأن هذا الإجراء بمختلف أبعاده وآثاره سوف يكون قادراً على تصفير القدرة على النيل من قيمة العملة الوطنية.‏

وعلى كل حال فإن بعض شركات ومكاتب الصرافة الوطنية قامت ولذاتها بمبادرات ممكنة من أمام الجدار المُتاح، حيث قامت هذه الشركات بضخ ما يمكنها ضخّه من القطع الأجنبي في السوق وتمكّنت – بقدر المستطاع – إحداث نوع من التوازن في السوق النقدية السورية.‏

من جانب آخر فإنَّ السلطات النقدية في سورية لا تزال تبثُّ الطمأنينة في قلوب المواطنين وتؤكّد بأنَّ وضع الليرة السورية والاحتياطي السوري لايزال بخير.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية