|
شؤون سياسية ومما يثير السخرية أن تتهم المحكمة الدولية من تشاء بارتكاب جرائم حرب. ذلك أن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير يثبت أن المحكمة مسيسة من خلال استهدافها للزعماء المناهضين للسياسة الأميركية والمخططات الاسرائيلية التوسعية. والسؤال الذي يطرح نفسه.. هل الرؤساء الذين ارتكبوا أو تسببوا في جرائم حرب في كل المجازر الماضية هم ثلاثة فقط الرئيس الليبيري تشارلز تايلور والرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش والرئيس السوداني عمر حسن البشير حسب ادعاءات الجنائية الدولية؟ وإذا كانت جريمة الحرب تعرف أنها خروقات لاتفاقيات جنيف ولقوانين الحرب، فهل هذه الانتهاكات وقعت في السودان دون غيره؟ وأين هم المتسببون في جرائم الحرب التي ارتكبت في لبنان وغزة والعراق بحجج أثبتت الأيام زيفها وبطلانها؟ أليس الأحق بالاعتقال هم حكام اسرائيل الذين تلطخت أياديهم بدماء الأطفال والنساء والشيوخ على مرآى ومسمع من العام أجمع؟ وكيف للمدعي العام لويس مورينو أوكامبو أن يزعم حدوث جرائم ابادة في اقليم دارفور السوداني اذا كانت الأمم المتحدة سبق وأقرت أن ما جرى لم يكن إبادة؟ كيف يتهم أوكامبو رمزا لدولة ذات سيادة دون أدلة وبراهين قاطعة؟ أليس هذا هو الاستهتار بعينه بالقانون الدولي؟ ثم كيف يمكن لـ أوكامبو وهو المتهم بقضايا أخلاقية وتحرش جنسي أن يحكم بالعدل ويقيم ميزان الحق؟ لم يكف المحكمة الجنائية الدولية اتفاقيات السلام التي أبرمت ولا المفاوضات التي ظلت تعقد لعدة سنوات مع الفصائل المتمردة حتى تأتي بهذا الاتهام الذي لا يستند إلى أي أدلة منطقية أو شواهد واقعية. إن مذكرة اعتقال الرئيس البشير تمثل إهانة للمجتمع الدولي وعدالته المزعومة ووخزة قوية للضمير الإنساني.. تقدم الدليل القاطع على ازدواجية المعايير.. والتوظيف التجاري النفعي للقيم الإنسانية في تهديد سيادة الدول واستقرارها.. إنها رسالة مفادها إن من يحاول الخروج على بيت الطاعة الأميركي والاسرائيلي سوف يجد أوكامبو والمحكمة الجنائية الدولية بانتظاره وكذلك الشهود والأدلة الملفقة. والواقع إن محكمة الجنايات الدولية عبر تاريخها لم تدافع عن الشعوب المستعمرة التي تعرضت للذبح والتنكيل والقتل الفردي والجماعي فالنظام العنصري في جنوب افريقيا لم يحاكم! المسألة إذاً ليست جرائم حرب أو مجازر بحق الانسانية.. إنها أداة ابتزاز تستهدف القوى الحرة المناضلة واحدة تلو الأخرى.. إنها الولايات المتحدة مجددا التي تحولت من عصر الغزو العسكري كما حصل في غرينادا عام 1983، وبنما 1989، وأفغانستان 2001، وأخيرا في العراق 2003 إلى عصر الغزو القضائي.. السياسة واحدة إذاً ولكن الأدوات تغيرت.. ولعل في سبق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بنقل خبر ادراج اسم الرئيس البشير ضمن أسماء المطلوبين للمحكمة الدولية قبل وكالات الأنباء العالمية، وقبل أن يصدر الاتهام الرسمي من المدعي العام نفسه ما يؤكد ذلك.. الهدف إذا تمزيق السودان.. فصل شماله عن جنوبه.. ضرب نظامه الممانع المعادي لقوى الاستكبار.. نهب خيراته وثرواته ولاسيما النفط الذي عجزت الشركات الأميركية عن الحصول على امتياز التنقيب عنه في اقليم دارفور.. إن ما حدث مؤخرا وما يجرى منذ سنوات من تماد في استئثار القوى النافذة في العالم بتحديد المجرم والبريء ومن يستحق العقاب ومن يستحق الثواب يؤكد أن العدالة الدولية غدت بمثابة أسطورة قد يضطر العالم أجمع إلى سماعها دون أن يستطيع أحد تصديقها.. إنها مهزلة مشرعة في وجه كل من تحدى إرادة الهيمنة الخارجية، فهل نكتفي بالشجب والإدانة والانتظار أم أن الأمر يستوجب ما هو أكثر من ذلك بكثير؟. |
|