تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الهشيم السوداني لا يحتمل جرعات النار

شؤون سياسية
الجمعة 22-7-2011
د. جهاد طاهر بكفلوني

وقع ماوقع في السودان وعادت الأمة العربية إلى الزاوية الضيقة التي تحشر نفسها فيها من حين إلى آخر فتضيق أنفاسها عليها، ثم تتاح لها فرصة التسلل إلى الهواء الطلق فتسهب في شرح المزايا السيئة لهذه الزاوية، لكن بدلاً من إعلان القطيعة التامة معها سرعان ما يعصف بها الحنين إليها فتعاود الانطلاق إليها حبواً أو عدواً.

عادت الأمة العربية إلى حفرة عدم الاستفادة من أخطاء الماضي رغم فداحة الحساب الذي سددته قديماً وتسدده حالياً نتيجة تكرار الخطأ نفسه عشرات بل مئات المرات، حتى بات الكثير منا يتساءل عن مدى استيعاب الأمة لطبيعة الظروف التي مرت بها وستمر بها مستقبلاً، وهل تملك القدرة على مكاشفة الذات وإجراء نقد صريح شفاف لهذه الذات للاتعاظ قبل أن يصبح الاتعاظ ندماً لا يسمن ولا يغني من جوع، أو أن هذه القدرة باتت سراباً يحسبه الظمآن ماءً؟!‏

ما أثار هذه المواجع التي تتشابك خيوط عسفها لتصبح فواجع هو انفصال جنوب السودان بمساحته الهائلة التي تتجاوز ستمئة ألف كيلو متر مربع وثرواته الهائلة عن شمال السودان، وقبل وقوع الانفصال تعالت الحناجر التي تحذر من المكيدة وسالت الأقلام التي حاولت كشف حجم المؤامرة، لكن وزن الجرافة كان أكبر من قدرة الطريق على تحمل وطء عجلاتها فسحقت هتاف الحناجر وداست مداد الأقلام ووقع الانفصال الذي لا يمكن أن يكون بشير خير، لأننا نتمنى كعرب نخاف على مصير كل جزء عربي من أيادي الغدر والفتنة والضغينة ألا يستمر السكين الأرعن في تقطيع الكعكة السودانية فتتناثر لا قدر الله هشيماً تذروه الرياح.‏

هناك دولة جديدة ظهرت إلى الوجود، وكان الحضور الدولي المكثف لمراسم إعلان ولادتها دليلاً على حجم التواطؤ الغربي في إخراجها لتبصر النور، لكن هذا النور لن يكون مشبعاً بالضياء بل سيكون محاطاً بظلمات بعضها فوق بعض بسبب طبيعة الظروف التي رافقت ولادة الدولة وكثرة الأيادي الخارجية التي أعلنت رغبتها في الإحاطة بها حتى تتمكن من الوقوف على قدميها، وحسبنا أن نشير بهذا الصدد إلى أن الكيان الصهيوني سرعان ما أعلن استعداده لمد يد العون إلى الدولة الوليدة، ولنا أن نتصور كمية السم المخيفة التي سيدسها هذا الكيان في شهد المساعدة.‏

ولعل بعضنا تنفس الصعداء عندما وجد الرئيس السوداني بين حاضري مراسم الولادة، وتحدث خلال الاحتفال مؤكداً عمق الوشائج التي ستظل تجمع بين أبناء الشمال والجنوب، لكن سرعان ما تحول هذا التنفس زفيراً يطوي قلقاً قادماً يتوجس خيفة من انطلاق عربة العلاقات في اتجاه النفور والتصادم.‏

هذا القلق وجد طريقة للبوح عما في داخله عندما تواردت الأنباء عن خلاف حول العملة التي سيتم التعامل بها في جنوب السودان، فقد أثار إعلان حكومة جنوب السودان بعد يومين من الانفصال عن السودان إصدار عملة جديدة استياء الحكومة السودانية التي لم تستطع إخفاء انزعاجها من هذه الخطوة، حيث وصفها الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر الوطني بالسودان ابراهيم غندور من الجار الجنوبي بـ (الخطوة التخريبية للجنيه السوداني).‏

مع الإشارة إلى أن الخرطوم وجوبا كانتا قبل ذلك قد اتفقتا على بقاء الجنيه السوداني على حاله دون تغيير لمدة ستة أشهر تلي انفصال الجنوب.‏

ويصر أولئك الذين يصرون على قراءة ما بين سطور الخلاف أن عدم تنسيق جنوب السودان مع جارتها الشمالية بخصوص إصدار عملة جديدة يعكس بشكل صريح لا لبس فيه تباين وجهات نظر الطرفين وإصرار كل طرف على التغريد خارج سرب الطرف الآخر، والحجة التي يتذرع بها كل واحد منهما هي محاولة كل طرف تقليل خسائره الاقتصادية والمالية جراء عملية الانفصال التي كانت عملية جراحية خالصة فكيف لا نتوقع أن تسيل منها قطرة دم واحدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً؟!.‏

ومضى القيادي في الحزب الحاكم ليرسخ المخاوف قائلاً: «كنا نعلم أنهم يطبعون عملتهم سراً لتدمير الجنيه السوداني، لقد أرادوا ألا يعلم أحد بذلك حتى لا يفاجؤوا بجنيه جديد وآخر قديم يتداول في الأسواق فترتفع الأسعار)، والمواطن السوداني هو الخاسر الأول عندما ترتفع الأسعار ويليه الاقتصاد السوداني في الشطرين الشمالي والجنوبي.‏

ورداً على هذه الخطوة جاء قرار الخرطوم بإعلان إصدار عملة جديدة سيتم تداولها قريباً عوض الجنيه السوداني المعمول به حالياً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية