تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الخلط الممنهج لمفهومي الديمقراطية والحرية

شؤون سياسية
الأثنين 25-7-2011
د. ابراهيم زعير

في صخب الأحداث الجارية في المنطقة العربية، والتي أطلق عليها مجازاً بالثورات العربية، تختلط المفاهيم والمصطلحات، لدرجة لا يكاد المرء العادي

فهم ما يجري حوله، حتى لو كان مشاركاً فيها بشكل مباشر، ولا نريد أن ننتقص من قيمة وأهمية اسقاط بعض الأنظمة العربية، خاصة في تونس ومصر حيث امتزجت في النظامين.‏

الارتهان لإملاءات الخارج الاستعماري الأميركي، والتصالح الجائر مع الكيان الصهيوني مانحاً هذا العدو للقضايا العربية العادلة ولقضية فلسطين المغتصبة، الفرصة التاريخية لاقتناص، النظام الوطني المقاوم في سورية، وأيضاً حركات المقاومة المدعومة شعبياً وعلى المستوى الرسمي السوري، أملاً في إخضاع وإضعاف سورية والعمل دون توقف لإسقاط النظام القائم فيها بوصفه الكابح. الرئيسي لسياسة استهداف المقاومة للمشاريع الامبريالية والصهيونية في المنطقة العربية، ومن اللافت أن أدوات هذا الاستهداف ولإدراكهم قوة منطق المقاومة وعدالتها الوطنية والشعبية، يحاولون عبثاً انتزاع هذه الصفة عن سورية، كمدخل لإرهاقها تحت يافطة المطلب الديمقراطي، مقدمين في أولوياتهم مفهوم الديمقراطية المجرد على مفهوم الوطنية وحرية وسيادة الوطن، وكأنهما في تعارض لا يمكن التوفيق بينهما في ظل الوضع الراهن. والحقيقة إن طرحهم للديمقراطية والحرية بالشكل المناقض لمفهوم الوطنية، يريدون اسقاط حرية الوطن المقاوم والمستقل، استجابة فجة لمصطلحات الليبرالية الرأسمالية الغربية التي فشلت في أوطانها الغربية، وأنتجت أزمة رأسمالية دورية تكاد تسقط الغرب في مستنقع لا مخرج منه، إلا بإعادة النظر كلية للنهج الليبرالي الاقتصادي المعتمد في أميركا والغرب الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، والتي صدرت لعدد من بلدان العالم الثالث، بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، ونظراً لضعف البنية الاقتصادية على الجميع دون حماية اقتصادها الوطني المنتج، حولها إلى ساحة للاستباحة السياسية والاقتصادية الغربية، ورهنت استقلالها الوطني للمساعدات المالية السنوية الغربية، وخضعت بإرادتها لإملاءات الغرب السياسية، فنفذت سياسته المتعلقة بالعداء لقضية الشعب الفلسطيني، وساهمت في حصار هذا الشعب ، وطمست قضيته الوطنية، منتهكة بذلك إرادة شعوبها المناهضة بطبيعتها للكيان الصهيوني الغاصب، لقد حاول الغرب ولايزال فرض نموذج محدد للديمقراطية على بلداننا العربية، وأوجد أدوات تنفيذه في كل بلد، وهدفه النهائي ليس تعميم الديمقراطية بمفهومها الإنساني وحكم الشعب لنفسه، وإنما نموذج قاد عملياً إلى الفوضى الخلاقة وكل أشكال التآمر، وإخضاع الشعوب واستعبادها، وهذا ما حصل في العراق تحديداً، وقسم السودان، وبنفس المنهج قطع الطريق على انتصار الثورة الشعبية في تونس ومصر، ويكاد يقضي على ليبيا ككيان موحد مستقل، وهذا ما خططوا له أن يكون في سورية، ولكنهم فشلوا في تحقيقه، والغرب الاستعماري يتعامل مع سورية تماماً كما تعامل مع هوغوتشافيز، حيث رفض ديمقراطية وحاول اسقاطه بالقوة الانقلابية، رغم إنه وصل إلى زعامة فنزويلا من خلال إدارة شعبه في صناديق الاقتراع، وفي نفس السياق الوقت دعم الانقلاب العسكري على سوكارنو الديمقراطي والذي أدى إلى مقتل ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين من أبنائه على يد سوهارتو المدعوم أميركياً، فالديمقراطية التي يتغنى به البعض ، ليست سوى الديمقراطية المفصلة أميركياً وصهيونياً للشعوب العربية، والتي هدفها الرئيس تكريس التبعية والنهب والاستعباد للأوطان وشعوبها، وإذا ما أخذنا النموذج التونسي والمصري اليوم لوجدنا أن الغرب « السخي» يدفع صندوق النقد الدولي ودول الخليج لتقديم القروض والهبات والمنح المشروطة لهاتين الدولتين، لتفويت الفرصة على نجاح ثورتيهما الديمقراطيتين، وتحويلهما إلى ساحة للفوضى الخلاقة، واصفين هذه الفوضى بـ «الديمقراطية» والربيع العربي، والذي لا يقل خطورة على احتلال العراق الذي تم تحت يافطة الديمقراطية وتحريره من الدكتاتورية، ووضع العراق في مواجهة الاقتتال الطائفي المصنع، وتهميشه وجعله لقمة سائغة للنهب الأميركي الاستعماري، ودفعه باتجاه التجزئة والانحلال الوطني، لقد أدركت سورية مباشرة ما يحاك ضدها من تآمر تحت شعار الديمقراطية والحرية، وطرحت مشروعها الإصلاحي الشامل والموقف من هذا المشروع الذي يعبر عنه السيد الرئيس بشار الأسد والذي سيساهم في قوة سورية ومنعتها الداخلية وتعزيز نهجها الوطني المقاوم، هو المعيار لوطنية وديمقراطية كل حركة أو حزب سياسي في سورية، ومن يحاول إفشال هذا التوجه، فإنه يعمل واقعياً لصالح «الديمقراطية» الأميركية المزيفة!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية