|
إضاءات بالآخر ومنهم على سبيل المثال الفرنسي آلان تورين والمقصود بالآخر هنا المختلف بالدين والثقافة والعرق والسياسة وغيرها من مكونات ،هذا التعريف الثقافي الاجتماعي تحول راهناً الى خطاب سياسي بامتياز، يجري على ألسنة وأقلام الساسة والمثقفين والمفكرين الى درجة انه تحول الى خطاب شعبي ولكن النظرة الى واقع العلاقة والسلوك السياسي الغربي تجاه الآخر، وأقصد بالآخر هنا العرب والمسلمين عموماً أمر مختلف تماما، فالملاحظ ان المصالح الاقتصادية والسياسية والرؤية الايديولوجية التقليدية المتمركزة حول الذات الاوروبية هي التي تحكم تلك العلاقة، ما تجعل سمتها التناقض والعداء لا الاعتراف القائم على التفاعل المزعوم ناظماً لها انسجاماً مع التعريف المشار اليه انفاً . إن اضاءة تاريخية على طبيعة العلاقة بين الغرب والشرق ببعديه العربي والاسلامي لا تخرج اطلاقاً إلا في حدود ضيقة عن حالة تحكمها نظرة عدائية وعراك فكري وثقافي بين طرفي المعادلة، تمتد جذوره الى مئات السنين ولم يتمكن أي من طرفيها من الخروج النهائي او ايجاد قطيعة معرفية بين صورتين متناقضتين الى درجة تضع المحلل لها والباحث عن اسبابها ونقطة البداية في تشكلها امام استنتاجات صعبة المؤكد فيها انها محكومة بحالة عدم ثقة وتوجس متجذرة في وعيين مختلفين تتحكم بهما تاريخياً مسيرة فيها من المواجهة الحادة والصراع اكثر مما فيها من التعاون القائم على احترام مصالح طرفي المعادلة وخصوصية مكوناتهما الثقافية والاجتماعية والروحية ومشروعية طموحاتهما نحو غد افضل . وفي قراءة طرفي المعادلة نجد ان الغرب مازال مسكوناً بعقد الماضي في نظرته السلبية تجاه العربي والمسلم، الذي كان متقدماً عليه في القرون الوسطى تقانياً ومعرفياً ويرى فيه العدو المستقبلي إن امتلك ناصية العلم والمعرفة وقيض له مساواته او التقدم عليه في مضمار الصراع الحضاري القائم في العالم. وهنا وكي يبقى الحال على ما هو عليه من فجوة حضارية، لا بد من الامعان في تمزيقه ونهب ثروته ومنعه من التقدم خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح حتى لا يدخل نادي الاقوياء ويحتل موقعه الطبيعي فيه وخاصة أنه يمتلك كل عناصر القوة والمنافسة . وفي الطرف الآخر نجد النظرة ذاتها، ففي المجمل الكلي العربي والاسلامي وكذلك في الوعي الجمعي ما زالت صورة الغرب الاستعماري الذي سيطر واستعمر وقسم البلاد العربية وزرع الكيان الصهيوني وتآمر على المشروع النهضوي العربي هي السائدة، ولعل ما جرى من حرب على الاسلام تحت عنوان الحرب على الارهاب واحتلال العراق وافغانستان والتآمر الحاصل خلال هذه الفترة على الدول العربية والاسلامية التي تريد شق طريق الحرية والكرامة وامتلاك التقانة والمعرفة، يعزز تلك الصورة النمطية ويزيدها رسوخاً ومصداقية لدى الرأي العام وصناع السياسة واصحاب الفكر الى درجة ان الداعين لحوار الحضارات وتناغمها يجدون السبل مغلقة امام مايطرحون من افكار لفك العراك الثقافي القائم امام حقيقة ما يجري. أمام هذا الواقع يمكن طرح سؤال على طرفي العلاقة ترى هل من خارطة طريق لحل تلك الاشكالية المعقدة ؟وهنا يمكن طرح سيناريو ربما كان مساعداً ويرتكز على مجموعة من القضايا اولها ان الاستمرار في علاقة كهذه سيزيد الامور تعقيداً وربما أدى الى مزيد من الصدام وإسالة الدماء، ما يجعل طرفي المعادلة خاسرا في المنظر الاستراتيجي وليس راهناً وضرورة تشكل قناعة مشتركة حول ذلك ,والامر الآخر الذي قد يشكل مدخلا للحل يتمثل في ضرورة تخلي طرفي العلاقة عن الفرضية القائلة إن صورة الماضي الصراعي ستكون هي الصورة المستقبلية إن تمكن الطرف الاضعف من امتلاك عناصر القوة المزعومة، وهنا تبدو الحاجة لتفكيك صورتين نمطيتين متشكلتين في الوعي الجمعي لطرفي المعادلة وهي مهمة صعبة ومعقدة، تشكل تحدياً تاريخياً لأصحاب الفكر والساسة والقائلين بحوار الحضارات والساعين لعالم اكثر أمناً وتناغما وتعاونا وسلما . إن ادراك موجبات ومستلزمات العلاقة بين غرب حضاري وتقاني نحتاجه وسياسة غربية لا تناسبنا، أمر مهم للطرفين ويشكل مدخلاً اولياً مناسباً يمكن البناء عليه، يقابله تخلي الغرب عن نظرة الهيمنة والاقرار بتوازن المصالح وتوازن الحاجات هذه العلاقة التبادلية والمركبة القائمة والمرتكزة على التعريف الذي قدمه آلان تورين للديمقراطية ربما تشكل خارطة طريق لعلاقة سليمة بين الغرب والعالمين العربي والاسلامي لا يقطف ثمارها طرفاها فقط وانما شعوب العالم قاطبة. |
|