|
آراء وكأن القريحة قد نضبت وجفت وذوى عودها؟ أليس من المجدي والمفيد أن نضع القلم جانباً ونفكر بما يضيف ويجدد، لا بما يضيف فقط؟ لكن هل يعني ذلك أن الكتابة الإبداعية دون سواها معنية بالاهتمام؟ من الخطأ الظن أن الكتابة الإبداعية هي الوحيدة التي تتطلب منا الابتكار والتجديد والتغيير فكل كتابة تستدعي، بل وتطلب الابتكار الخلاق، وإلا بقيت في دائرة التكرار العقيم الذي لا يزيد ولا ينقص. وللأسف، فقد كثرت الكتابات المصابة بالبلادة على كل صعيد.. فأنت لا تسمع قصيدة تطربك وتشدك إليها إلا فيما ندر. ولا تقرأ قصة قصيرة فذة إلا بعد قراءة ما هب ودب من الكم القصصي الذي صار يملأ الصحف والمجلات والمجموعات دون الالتفات لذوق القارئ وحاجته الماسة لقصة تضيف إليه، وتغنيه وتتحفه بالجميل الممتع. ينطبق هذا على الرواية والمسرحية والمقالة.. فهل تقول بصريح العبارة إننا وصلنا إلى طريق مسدود؟ طبعاً لا.. ولا يمكن أن تصل الكتابة إلى طريق مسدود بأي حال من الأحوال. لكن من المفيد والمجدي والضروري أن ننبه ونحرك وندعو إلى تجاوز المألوف وصولاً إلى أدب غني، وثقافة بناءة وإبداع يشد القارئ بقوة، ما يحمل من مضمون وشكل والهدف والغاية، ليس هناك ولا يمكن أن يكون أدب يبقى ويقف ويثبت حين يكون خاوياً.. الخواء يقتل الأدب ويبعثره ويشتت جدواه، الخواء يجعل من الأدب مجرد مادة هلامية لا تصنع شيئاً. وخير الأدب ما وصل إلى القمم بجدارة بما يحمل من ابتكار مواضيع، وتجديد أفكار وهندسة بنيان مثل هذا الأدب هو الذي يتحف ويعطي ويحرك ويجعلنا نشعر بالفخر والسعادة أما الأدب الخاوي فيبقى مادة للسوس والنخر.. ليس إلا! ما أريد أن أسأله في هذا السياق، والسؤال موجه لكل مبدع: - من أين تستمد أفكارك؟ وما مصدرها؟ وهنا تتوافد إليّ كثير من الأجوبة التي تدور حول مصادر متعددة قد يكون الخيال أحدها أو أكثرها حضوراً بينما نلاحظ بعض غياب لما هو أشد أهمية وصدقاً وحرارة. وأقصد هنا ما هو مأخوذ مباشرة من الواقع المعاش. هذا الواقع الذي يكاد يغلي بالجديد والمغاير والمختلف كل يوم ومن يقول إن ما نراه اليوم يشبه ما شاهدناه بالأمس، بل يطابقه، يبتعد كل الابتعاد بل يكاد يغترب عن تفاعل الواقع وتغيره الدائم، ولا شك أن ملاحظة الجديد إنما يحتاج إلى عين مبدعة تستطيع أن تقرأ العمق، وأن تنظر إلى المساحات المغيبة، أو المغطاة بغلالة رقيقة، فالواقع باعتقادي رافد ثر لا ينتهي ولا يجف بالنسبة إلى الأديب ولكن هل يعني هذا تخلياً كاملاً عن الخيال؟ بطبيعة الحال، لا يمكن أن يتخلى المبدع عن الخيال في أي خطوة من خطواته، فالمتح من الواقع لا يعني أن تتحول الكتابة إلى تسجيل أصم ينقل الحال كما هي، لأن ذلك النوع يوصف بالتسجيلية وهي تضر الأدب ولا تفيده، إن الأخذ من الواقع يحتاج إلى أديب حقيقي يعرف كيف يجعل هذا المأخوذ والمستمد منه مليئاً بالجدة والحيوية والجمال، وكيف يظهر لنا النص الأدبي بصورة لم نألفها من قبل هنا دور الذائقة الإبداعية التي تصنع وتخلق عالماً جديداً نعايشه ونداخله فنشعر بأننا نتنفس هواءً لم نتنفسه من قبل. |
|