|
آراء يجول بخاطره الكثير مما لم يبح به.. تحدثت عيناه بما لم يفصح عنه طوال حياته، اعترف بالألم الجسدي فقط. لكن روحه مازالت عصية على الوجع. لن يستسلم رغم قناعة من حوله أنه وضع قدمه على أول طريق الرحلة الطويلة. الرحلة التي يخافها البشر رغم انتظارهم لها لديه قوة خفية على المقاومة جعلتهم يعيدون حساباتهم. كل ما يحيط به وما ينتج عن حالته خارج حسابات الطب. إذ يعود بعد كل إغفاءة ليبحث عن الوجوه ويحاول نزع الأشرطة كي يعود إلى البيت..!1 قال لهم يكفي أريد العودة إلى كرسيي الذي يطل على قاسيون. يريد أن يتم كتابة زاوية تفصح عما عاهد الله عليه طوال حياته.. الابتعاد عن الأذى لأن الأذية من أعمال الشياطين. تذكر أن الفساد يلهم الشياطين ويحفزها على العمل. إذن متى يتم القضاء على الفساد وشياطينه؟! طافت روحه حول سورية، توقف عند بعض التضاريس أكثر من غيرها.. وفي دمشق استراح.. دمشق بحواريها العتيقة وأزقتها هي رفيقة شبابه وكهولته. أما شيخوخته فقد كان للمزة النصيب الأكبر.. طالما استنطق كل حجر عتيق في دمشق، وطالما توقف عند كل زاوية رأى ما غاب على الكثيرين رؤيته.. وكتب مرة عن فسيفساء كان شاهداً على استبدالها بورق ملون يحمل نفس رسوماتها وألوانها، دافع حينها بحثه الغيور على الإرث الحضاري الذي خلفه بنو أمية قبل أن يرحلوا إلى الأندلس. صمته استنفز كل من حوله.. حاولوا معرفة سبب انسداد الشريان.. حاولوا استنطاقه عمن كانوا منبع قلقه.. تحرك متململاً وكأنه يقول اتركوني مع حصاد الذاكرة. ربط بين الأمس واليوم... واستفرد مع عدد قليل من الوجوه التي أحبها، ويحمل معه هذا الحب في غرفة العناية المركزة.. رأى وجه أمه بين الوجوه، تمسك بالنظر إلى عينيها أشاحت عنه بوجهها.. رفع يده ليلمسها لكنها غابت بين الوجوه من جديد... أثارت حركة يده لغطاً وميز صوت الطبيب/ لقد تجاوز محنة الوذمة الدماغية/ أراد أن يقول للطبيب: هنيئاً لمن يستطيع الهروب مما يجري الآن... هل يصدق أحدكم أن سكة القطار تقف في وجه الحرية وتعيق مسيرة الإصلاح.. وهل قتل السائق القطار مع ركابه يدعم الديمقراطية!!؟ أراد القول:/ من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان/ تفوه بكلمات واضحة:أين أنتم أيها المثقفون والإعلاميون والماركسيون والاشتراكيون والمتنورون محبو الوطن جميعاً. أين أنتم من هذا المنكر: هل ترون في اقتحام شعبة التجنيد ومخافر الشرطة وحرق مستودعات النفط والمراكز الصحية دعماً لحياة الرفاه الموعودة؟ هل كانت تطلق رصاصاً على المشاغبين ودافع هؤلاء عن أنفسهم بحرقها وتدمير محتوياتها . عاد للصمت وقال في نفسه اشتدي أزمة تنفرجي.. تمنى الفرج لوطنه ولجسده الواهن. وابتسم لكل من حوله بعد اطمئنانه على انتصار الحق على الباطل. |
|