|
آراء أنتن مخلوقات من صلصال بالغ راشد وجميل.. وغير المثقفين جداً، يقولون: هنيئاً للتراب الذي أبدع وأعطى.. امرأة من لآلئ تمشي قبالة القلوب، فتهمس لها: يا أرض احفظي ما عليك.. التراب أرقى بكثير من الإنسان، لأنه غير متورط بالكذبات السياحية والسياسية وبتعقيدات المثقفين وفلسفة الأيام والأفكار المطبوخة على نار الخدائع وحطب اللف والدوران، وفحم المجاملات، وجمر الملامح المحشوة بالنصب والاحتيال، مثل فراش قطني قديم مزدحم بالتكتلات والصراعات والاضطرابات، والنائم عليه معني به نعاسه وغفوه واستقراره العاطفي.. التراب لا يؤلف حزباً أو تجمعات مسلحة ولا يمارس الارهاب والتخويف، ولا يعلن تعصبه لشجرة في مواجهة شجرة أخرى أو غابة، ولا يخون وردة أو سماء أو مطراً.. في ارقى حالاته، التراب يؤلف وطناً وأحباباً وعائلات جميلة وتاريخاً بسيطاً وذكريات، لا تخضع لرسم الانفاق الاجتماعي أو النفاق العاطفي.. الترابات مثل النساء لا يحصل في سيرهن توقفات متكررة عن الجمال والحب وبناء ممالك الورود والحدائق والغابات والكروم.. المرأة الحلوة لا تصاب بالتوقف المتكرر عن الألفة والألق والاعتناء ببوحها وكونها الراقي.. والأرض لها نفس العقل الحنون، إذ تبتكر وقتاً يكفل الحب وديمقراطية الاخضرار وسير الجداول وتدفق الينابيع بما يرضي غالبية الضفاف والأشجار والعشب والعطش والصفاء والعذوبة.. المرأة تبدأ من كلام الطين وأبهة الزراعة.. وحين يحسن حالها وبالها وجمالها تتشبه ببهجة الحقول وروعة السهول وبهاء الفصول ويفاعة الأعالي والتلال... والفلاح عاشق من الطراز البسيط والصادق والمباشر، لأنه على علاقة طيبة بالتراب.. ومفكرته لا تخلوا من إشارات الوفاء والكرم.. وحين تناقصت قيم المساواة والعلاقات الدائرة بين الإنسان والأرض، تناقص الصدق والحب، وكثرت السياسة والأفكار السوداء والأحزاب... ترك الفلاحون عشقهم الأول، وتحولوا إلى الأسواق، أملاً بالبيع والشراء وتماشياً مع السوق والأرباح وتشبهاً بمفاهيم النصب والتزوير.. المزارع الذي يحسن زراعة الزيتون والتين والرمان والجوز والتفاح، لا يجيد زراعة الكراهية والحقد وأفكار التزوير ولا يفكر في يوم من الأيام أو فصل من الفصول بغش غصن، أو استبدال ثمرة بحشرة أو غيمة بانحباس. ليست لدى التراب أمجاد تافهة، مثل مهرب، يهرب القتل باتجاه الحياة والأحياء.. ولا يوجد في حسبانه يأسُ أو قناعات يابسة.. في عز حاجته للارتواء يفرح ويبحث عن شجيرات تجيد اليفاعة والبقاء والامنيات. وهوايات أصدقاء التراب مثل هواياته، وحياتهم كحياته.. يتساوون مع وقت صفائهم، ويعيشون الحرية وديمقراطية الأغصان والظلال والثمار والأيدي المتعاونة من أجل الحريات البسيطة والحنين الذي يتعلمونه من ذهنيات التراب ودروسه.. عقل الأرض متطور ويتطلع إلى صلات القرابة بين التخوم والتخوم والأشجار والأشجار والدروب والدروب والسواقي والسواقي والينابيع والينابيع... لا يوجد في قواميس الأرض همجية وعدوان مسلح إلا من إضافات البشر الذين يتسوقون الشوك بدل الشوق والشعوذة بدل الشرف والشرفات... ثقافة التراب واعية وواعدة وأمومية معطاءة عكس ثقافة الإنسان الراغب بتعلم فن الطغيان وحرفة الزيف وتقطيع أوصال العواطف بحجة أنه إنسان.. في اللحظة الواحدة يحتاج الإنسان المتمرد على التراب العديد من شهادات الثقة والتعريف، حتى يكون بمقدور الأيام اعتباره إنساناً.. فكيف إذا احتاجت الأمور تعريفات: أعلى، كأن يسأل: هل أنت إنسان وطني؟ أو إنسان عائلي؟ أو إنسان محب أو محبوب؟ أو ناجح؟ أو حضاري؟ أو مؤمن؟ أو ديمقراطي؟ لدى الحبيبة فائض غلاظات بعد أن كان لديها زمن كامل للرفق بالحب واللطف.. ولديها الكثير من المشاحنات وفضلات الاشتياق، بعد أن كانت زارعة ورد وأميرة حقول اشتياق وسعد.. ولدى الرجال مصارف وبنوك خاصة بدوخات الاحتيال العاطفي وثروات المجاملات والالتفاف الوجداني.. رجال من ماركة مديرين أو وزراء أو موظفين صغار أو أذنة محشوون بالبصاق والمكر الإداري والكوني والعاطفي.. كل مكلياتهم تنم عن فظاعات وفساد، حتى إذا قالوا سبقهم بصاقهم إلى وجدان الآخر، فيتلوث مجاوروهم ومعاشروهم ومحتاجوهم بالبصاق ولعنات النفاق.. زمن نفاق وإنسان فيسلوف نفاق، والتراب أعزل إلا من كلمات عز تجود بها غيمة أو حبيبة مهربة من عهد حب وحبيب. لسنا محتاجين إلى كل هذه الهوايات البعيدة عن رغبات التراب وهواياته وفلسفته، حتى يكون بوسعنا امداد أنفسنا بكميات البشاعة والحطام.. قليلاً تطل الحبيبات على زينتهن لتمتدح بساطتها وعفوية الذي فيها من محاسن الصلصال وكرامات الأرض الحسناء... وقليلاً يطل عاشق على وجدانه ووجده.. يظن أنه بمنأى عن دورة الحنين، إلى أن تحين الخيبات.. فيسافر في عيون الخيبة كما تسافر كذبة في هلاك عشق كاذب. |
|