تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


محاضرة...المثقف في المسرح السوري المعاصر.. متــردد.. خائـف.. لاموقف واضـحاً فـي حياتــه..د. غنيم: لانضع المثقفيــن فـي سلة واحدة

ثقافة
الخميس 28-7-2011
لقاء: فاتن دعبول

لأن للمثقف دوراً ريادياً في المجتمعات كافة، وعليه تقع مجموعة من الواجبات التي تتجسد بشكل أساسي بشرح الواقع ومحاولة إضاءته بما يحمل من تصورات جديدة.

ولأن المثقف يقدم الأنموذج الفكري والذهني والسياسي والاقتصادي الذي يتماشى مع الواقع الحضاري، ومع الصورة المثلى التي نتوخاها لوطننا..‏‏

ولأنهم ليسوا جميعاً في سلة واحدة، وقف الباحثون منهم مواقف متباينة، وكان للمسرح السوري موقف شديد القسوة، تجاههم إلا في استثناءات قليلة، هذا مابينه الدكتور غسان غنيم في محاضرته «صورة المثقف في المسرح السوري المعاصر».. بدأها بتعريف المثقف، ومن ثم تصنيفه وفق معطيات المسرحيين وتقييماتهم.‏‏

شريحة قلقة.. تجهل موقعها الحقيقي!‏‏

المثقف، شريحة اجتماعية معرفية، تمتهن العمل الذهني، رأس مالها الحقيقي هو العمل الفكري الذهني، لذا هي شريحة قلقة لاتعرف غالباً أين هو موقعها الحقيقي، هل تنتمي إلى فئة العمال، أم فئة البورجوازية، وقد تناول المسرح السوري هذه الشريحة وصنفها بطريقة لاتخلو من القسوة، فهو إما مثقف انتهازي يرتكز على قدراته الذهنية، ومقدرته على الإقناع والتعليل والبرهنة للوصول إلى مراكز اجتماعية، وبالتالي يغتني من خلالها، أو أن يتوسل بهذه الوسائل الفكرية والذهنية لنيل الحظوة لدى أصحاب السلطة..‏‏

وهذا النمط موجود في مسرحيات عديدة من مثل «الجدران القرمزية» لفرحان بلبل، دليلاً العبيد، وكيف تركت السيف لممدوح عدوان وبعض مسرحيات سعد الله ونوس، ومسرحية «السيل» لعلي كنعان «والخسوف» للدكتور رياض عصمت، هذه المسرحيات تعطي نموذجاً للمثقف (البائس، غير الإيجابي، وتصوره فرداً عاجزاً عن حسم مواقفه، ولايملك القابلية للانتظام أو للتنظيم، وغالباً لايكون منتمياً.‏‏

أو يكون المثقف في عيون المسرحيين إنساناً متخاذلاً، كما في مسرحية «هاملت يستيقظ متأخراً» لممدوح عدوان، ويظهر ذلك في مقولة «أجد نفسي بشكل طبيعي مشدوداً إلى القصر» إذاً المثقف هنا يطمح إلى أن يتسيد ويلتحق بالسلطة بشكل من الأشكال، ويكون تابعاً للسلطة، وهذا يعطيه شيئاً من الراحة، لذلك نجد الممثل وهو الشخصية الإيجابية في المسرحية يقول لهاملت: «أنت تقرأ الإنجيل أليس كذلك، يقول له أجل، يقول: ألم تسمع بالكلمة التي تقول إني أتقيؤك لأنك لاحاراً ولابارداً.‏‏

أي لايستطيع أن يتخذ موقفاً‏‏

وللأسف الشديد نلحظ الكثير من المثقفين في المراحل الحاسمة التي تمر بها الأوطان مترددين خائفين لايأخذون مواقف واضحة في حياتهم الفكرية.‏‏

ومن المثقفين من هو متعالٍ على الناس يحاول تجاوز مشكلاتهم ويعتبرها من توافه الأمور، فهو أرفع مقاماً من أن يتعرض لمثل هذه المشكلات ويبدو مثقفاً «برج عاجي»، مايجعل منه مثقفاً منزوياً مهمشاً غير قادر على الفعل ولايستطيع التأثير في الناس كما في مسرحية «الخسوف» للدكتور رياض عصمت، ومسرحية «السيل» لعلي كنعان.‏‏

وهناك أيضاً المثقف المتمسح بأعتاب السلطة من مثل مسرحية «رضا قيصر» لعلي عقلة عرسان، وهذا المثقف يحتقره الشعب وتنبذه السلطة في الآن نفسه..‏‏

لامثقف إيجابياً في المسرح السوري!‏‏

لم يقدم المسرح السوري نموذجاً إيجابياً للمثقف العربي، إنما فقط قدم أنماطاً بعيدة عن الإيجابية وغيرمنسجمة مع هموم الناس ومشكلاتهم، لذا غالباً مايبتعد المواطن عن هؤلاء المثقفين، ويهمشونهم، ليعودوا من جديد للبحث عما يقودهم، ماعدا القليل من المسرحيات من مثل «الملك هو الملك»، حيث يجسد صورة المثقف الواعي الذي يصل بالناس إلى مرحلة الوعي ويقودهم بشكل إيجابي..‏‏

وقد سعى المسرح إلى نقل الواقع بشكل موضوعي، وأظهر مجموعة من المثقفين الثوريين الذين استطاعوا أن يقدموا نموذجاً إيجابياً، لكن المسرح لم يركز على هذا النمط، وإنما على النمط السلبي لأنه أراد أن يضخم صورة المثقف السلبي حتى نرفضها..‏‏

إذاً لانستطيع أن نضع المثقفين جميعاً في سلة واحدة، فميزة المثقف قدرته على فهم الواقع وتفسيره وأن يدرسه دراسة موضوعية، وهذا يحتم عليه نقل مطالب الناس، وتوضيح رؤى السلطة..‏‏

وفي المرحلة الراهنة، واجب المثقف أن يقف موقفاً إيجابياً، يوضح فيه مطالب الناس وفي الآن نفسه يوضح رؤية السلطة.‏‏

المثقف.. من ينتمي إلى هموم الناس ومشكلاتهم‏‏

وينقسم المثقفون حالياً إلى نوعين، فهم إما أن يغمسوا رؤوسهم في الرمل، وإما أن يمارسوا دورهم بشكل إيجابي وحضاري ويطل برؤى متوازنة ومعتدلة، هذا هو الدور الحقيقي المنوط بالمثقف في المرحلة الراهنة، والأزمة التي يحياها الوطن..‏‏

فالمثقف العضوي هو من ينتمي إلى هموم الناس ومشكلاتهم ويوضح مايدور في ثنايا المجتمع ومحاولة مساعدة الناس والسلطة لتخطي الأزمات التي يمر بها الوطن..‏‏

فالنموذج الذي قدم المسرح السوري ليس نهائياً، ومازال المثقف العضوي الثوري المنتمي إلى وطنه وإلى حضارته وإلى فكره الإنساني موجود في مجمعاتنا العربية، ويحاول أن يقدم دوراً حضارياً وفكرياً، وذهنياً وسياسياً واعياً وفاعلاً..‏‏

وماتجدر الإشارة إليه أن المسرحيين السوريين استندوا إلى التراث والحكايات الشعبية لنقل الواقع الراهن وهذا ما يطلق عليه «الإبعاد الزماني والمكاني» حيث استطاع الكتاب أن يعرضوا قضايا الواقع الراهن من خلال استعادة حكايات من التراث أو من التاريخ أو الخرافة أحياناً..‏‏

عرض.. خاص.. خاص جداً‏‏

صورة المثقف في المسرح السوري المعاصر، محاضرة للدكتور غسان غنيم، كان من المقرر عرضها في مركز ثقافي العدوي، لكن اللافت ورغم التحضيرات والاستعدادات التامة من تكييف وإنارة وأجهزة صوت لم يكن من الحضور إلا المحاضر، وأنا فقط ما اضطرني لإجراء لقاء خاص بالثورة، فأين هو مثقفنا وأين جمهور المراكز الثقافية من ارتيادها ترى هل العيب فينا، أم بالثقافة أم بكلينا معاً؟!.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية