|
قاعدة الحدث ففي العقود الثلاثة الماضية عانت 18 دولة إفريقية من أصل 53 دولة مما يسميه برنامج الغذاء العالمي بالوضع الطارئ، حيث إن ثماني دول عانت المجاعة كنتيجة للحرب الأهلية أو أحد الأشكال الأخرى للصراع المسلح، كما أن ثلاث دول أخرى ضربتها المجاعة في نهاية حرب طويلة دمرت أجزاء من زراعتها. في حين دفعت خمس دول أخرى إلى حالة «الطوارئ» الغذائية نتيجة وصول أعداد ضخمة من اللاجئين من دول الجوار، بينما أصيبت الدولتان الأخريان بالمجاعة نتيجة القرارات السيئة لحكوماتيهما. وفي العقدين الماضيين أخذت هذه الدول 12 مليار دولار كدعم بأشكال متنوعة غير أن هذا الدعم مكن الحكومات في هذه الدول إلى تحويل مصادرها الذاتية إلى الحرب والفساد بدل توفير الغذاء لمواطنيها. فالحرب بين إثيوبيا واريتريا قبل عدة سنوات كلفت أربعة مليارات دولار، قبل ذلك كانت أثيوبيا منغمسة في حرب أوغادين وتيغراي، هذا دون الحديث عن حرب تحرير ارتيريا التي دامت عقدين من الزمن. في حالة انغولا وهي التي تحتل الموقع الرابع بين الأمم الإفريقية المصابة بالمجاعة نجد أنها في العقود الثلاثة الماضية حصلت على دخل من صادرات النفط والماس يقدر بـ 100 مليار دولار وهو ما يكفي لجعلها من أغنى دول القارة، بينما نصف سكانها الآن يجدون أنفسهم على حافة المجاعة. وحسب منظمة الغذاء والزراعة العالمية (فاو) إن إفريقيا الآن أكثر قابلية للمجاعة عما كانت عليه قبل جيل مضى. فبينما خفضت آسيا من احتمالات المجاعة في بلدانها من نسبة 43٪ إلى أقل من 13٪ ارتفعت النسبة في إفريقيا من 18٪ إلى 38٪. وتؤثر المجاعة في أي دولة على اقتصادها الوطني فالذين يتعرضون لسوء تغذية ينعكس ذلك على إنتاجيتهم ما يعرض اقتصاد الدولة لأزمات حادة، وبالتالي الوقوع في دوامة الاقتراض من الدول الكبرى وما يتبعها من مشكلات اقتصادية ليس من السهل الخروج منها. وفي حال استمرار الجفاف في العديد من المناطق الإفريقية فإن 12 مليون شخص سيشهدون تدهوراً حقيقياً في أوضاعهم المعيشية وهم يعيشون بين ارتيريا وبوروندي ولكنهم متمركزون بصورة رئيسية في كينيا وأثيوبيا والصومال ويعانون منذ عدة أشهر بسبب التأثيرات المدمرة لجفاف بدأ منذ سنتين على الأقل ويبدو أنه الأكثر خطورة منذ 6 عقود وفي قلب موجة الجفاف التي تهدد قسماً من شرق إفريقيا، فإن الكارثة الإنسانية الأكثر خطورة تتموضع في الصومال البلد الذي يعيش أحداث مؤلمة منذ سنوات ويجد نفسه في مواجهة التأثيرات المتزامنة لموجة جفاف خطرة، وحركة نزوح سكاني، وصعود قوي للعنف. وتنتشر المجاعة حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الصومال بمنطقتين، جنوب الصومال هما «جنوب باكول ولاورشابيل» وبحسب تحذير المنسق الإنساني الأممي مارك باودن إذا لم يتحرك العالم الآن ستمتد المجاعة إلى كل مناطق جنوب الصومال الثماني خلال الشهرين القادمين بسبب سوء حالة المحاصيل الزراعية وانتشار الأمراض المعدية إضافة إلى أن نصف الصوماليين تقريباً يعيشون في جنوب البلاد. ويؤكد صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن المجاعة تؤدي إلى زيادة معدل الوفيات على شخصين بين كل عشرة آلاف نسمة يومياً ومعدلات وفيات تزيد على 30٪ في صفوف الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات في منطقة القرن الإفريقي. من جهتها تقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن طفلاً من بين 10 أطفال معرض لخطر الجوع حتى الموت في مناطق من الصومال، وتضيف المنظمة الإنسانية وهي واحدة من عدد محدود من وكالات المساعدات التي يسمح لها بالوصول إلى المناطق الأشد تضرراً في الصومال: إن زهاء 11٪ من الأطفال الأقل من خمس سنوات في في جنوب الصومال يعانون الآن من سوء تغذية حاد. وفي هذا الإطار اتهمت منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية حكومات أوروبية بالإهمال المتعمد بسبب نقص في المعونات قيمته 800 مليون دولار وبطء الاستجابة الدولية لأزمة الجفاف التي تضرب منطقة القرن الإفريقي. مؤكدة أنه لم يتم تدبير سوى 200 مليون دولار من الأموال المطلوبة لتجنب كارثة إنسانية في المنطقة التي ضربها الجفاف التي تشمل الصومال وكينيا وأثيوبيا، وأن العالم متباطئ في إدراك خطورة الكارثة. وعند الحديث عن المجاعة لابد من تحديد الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المزري في العديد من الدول الإفريقية. وتمثل القارة السمراء 15٪ من سكان العالم بينما تنتج 60٪ من اللاجئين في العالم هرباً من الموت جوعاً أو بالصراعات المسلحة. وتأتي الإدارة السيئة وفساد الحكومات إلى جانب قلة الأمطار والجفاف من أهم الأسباب التي أدت إلى تدهور القطاع الزراعي إضافة إلى النقص الكبير في مصادر التمويل والخبر، فهناك برامج كاملة لتنمية الريف ألغيت تحت تأثير برنامج الاصلاح الهيكلي المفروض من قبل صندوق النقد الدولي بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي. كما أن جهود الدول المانحة انخفضت كثيراً فالزراعة لم تستوعب من المساعدات المتعددة الأطراف لسنة 2002 مثلاً سوى 2٪ مقابل 30٪ عام 1980م. والجهود لم تكن متركزة على البلدان التي تعيــــش أوضاعاً صعبة، حيث إن البلدان التي يعاني 5٪ من سكانها بسبب سوء التغذية تحصل ثلاث مرات على المساعدات عن كل عامل زراعي أكثر من البلدان التي يعاني 35٪ من سكانها بسبب المجاعة. كما أن 72٪ من الأراضي الصالحة للزراعة و 31٪ من المراعي متردية إضافة إلى انخفاض المساحة الصالحة للزراعة للفرد الواحد. وهناك عوامل أخرى كالنمو الديمغرافي الكبير والصراعات المسلحة الداخلية والبينية ما أدى إلى وجود 20 مليون لاجئ في القارة إضافة إلى انتشار المرض وخاصة الايدز. |
|