|
معاً على الطريق بعد غزو العراق 2003 توقف قطار الذكريات ولم نعد نرى زملاءنا العراقيين الذين كانوا يتواردون إلى دمشق، ولكم كانوا يحبونها وكنا نلتقي بهم في المقاهي والمطاعم واتحاد الكتاب العرب كجمعة اللامي.. وخارج سورية في المؤتمرات والندوات الأدبية كعبد الرحمن مجيد الربيعي وطراد القبيسي. ولعلّ الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري آخر الشعراء الكلاسيكيين العرب الذي عاش مشرداً بين عدد من الدول العربية ودول أوروبا الشرقية أثناء العهد الملكي كان أكثرهم ولعاً بدمشق ولنعد إلى العام 1956 حين ألقى قصيدة تأبين بمناسبة ذكرى استشهاد عدنان المالكي ومما قاله فيها: خلفت غاشية الخنوع ورائي وأتيت أقبس جمرة الشهداء خلفتها وأتيت يعتصر الأسى قلبي وينتصب الكفاح إزائي وفي نهاية السبعينيات بعد انقلاب صدام حسين أقام في دمشق محاطاً بالحفاوة والترحيب. كان الدكتور محسن جاسم الموسوي يزورني في مكتبي وهو روائي وناقد أدبي وعميد كلية الآداب في جامعة بغداد ووجه لي دعوة مفتوحة لزيارة العراق وإلقاء محاضرة عن تجربتي الروائية في كلية الآداب، فكم أسعدتني هذه الدعوة لأرى بغداد بلد هارون الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم، كانت الدعوة في العاشر من تموز 1979 على أن تكون الزيارة في أواخر الشهر نفسه، وفي السادس عشر من تموز قام صدام حسين بانقلاب أطاح فيه بأحمد حسن البكر وقام بمقاطعة صارمة مع سورية وألغيت الزيارة فأحسست بغصة وانقطعت عني أخبار محسن الموسوي حتى رأيت على إحدى الشاشات العربية مقابلة مع رجل خط الشيب رأسه وضاقت عيناه خلف النظارة قلت في نفسي.. هذا الرجل ليس غريباً عني حتى أعلن المذيع أنه الدكتور محسن جاسم الموسوي أستاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأميركية التي نهبت ما استطاعت من آثار العراق وخبراته العلمية والثقافية وتنازعتني مشاعر الشوق المهدور والأسف على هذا الرجل. في التسعينيات كان يزورني في مكتبي بهيئة الإذاعة والتلفزيون بين حين وآخر لاجئ سياسي عراقي مهذب، بل شديد التهذيب قليل الكلام وكان يقول لي: لا تهتم لحضوري تابع عملك، وكل ماعرفته عنه أن اسمه (حسن علوي) وأنه كاتب وأنه كان مسؤولاً إعلامياً في العراق وأن صدام غضب عليه فلجأ إلى سورية، والحقيقة أن زحمة العمل لم تكن تفسح لي المجال أن أتباسط معه في الحديث رغم أنني كنت أستقبله وأودعه بحفاوة واحترام. بعد غزو العراق انقطعت أخباره عني حتى رأيته على إحدى الشاشات العربية في مقابلة مطولة أجريت معه وإذا به مفكر كبير وله عدد من الدراسات المعروفة وأنه مناضل ضد الطائفية، مناضل بصرامة رافض لقب (سيد) الذي ورثه عن عائلته التي تمتاز بالعلم رغم أنها فقيرة. والحقيقة أنني في تعاملي معه كنت أشعر أنه رجل متواضع وليس كما يبدو لنا، لكن الغربة كما يقال (مضيعة للأصول). |
|