|
معاً على الطريق هل أسأل عن ربوع سورية التي يجترحها الغضب الدامي.. أو عن سواحلها المتألقة تحت الشمس.. أم عن السوار الزمردي لجنة دمشق, حيث الزهر والثمر.. والعطر الفواح والشجر؟.. هل أسأل عن أهلي.. وأحبائي.. وأقربائي.. وقومي.. (ويغدو الموت لعبتهم) كما يقول سعيد عقل؟.. هل أسأل عن كل رصيف.. أو حارة.. أو قرية.. أو بلدة.. أو عمارة؟.. ألا يكفيني ما نحن فيه من فوضى إعلامية.. ومن أمطار الصور.. وأمواج الأصوات تحاصرنا في كل لحظة.. ننتعش من نسيم الآمال ويغرقنا سواد الآجال؟.. عذراً أيها المتنبي العظيم فأنا لا أريد أي رد يكون فيه التعليل أو التضليل.. ولا أريد لقلبي المجروح أن يهدأ.. ولا لدمعتي أن ترقأ. من بين الغمام تطل عليّ كلمات كأجنحة حمام أو ريش نعام.. من صحفية اسمها (فاديا مصارع) مسحت دماً عن جناح حمامة مكسورة.. والتقطت ريشاً يتناثر ويتطاير من أخبار هي رهن الأعمار.. فشكراً لها إذ تناولت كتابي عن (دمشق عاصمة ثقافة أبدية).. لكن الغمام يسحبني وأنا في القاهرة الحائرة بين ترسيخ ثورة والحنين الى أخرى هي ثورة تموز 1952.. وتكاد تصطدم سحبهما بين اللا والنعم.. وبين السلب والإيجاب.. وكل سؤال يبحث عن جواب. ياه.. كم حملتني هذه المناسبة الى الخمسينيات عندما تألقت وحدة عربية ساطعة وباذخة بين مصر وسورية.. ستون عاماً أو أقل بقليل ونحن في مطلع شبابنا نتعلق بأحلام الوحدة العربية الكبرى.. بينما الأيدي الجهنمية الصهيونية تمزق روابطنا.. وتجعلنا في خنادق معزولة أصبحت النيران فيها تشتعل الآن.. وكأننا لسنا في الزمان العربي.. ولا في المصير الواحد العربي. أي سحابة بيضاء كانت تجمع راياتنا الخفاقة.. ومشاعرنا الدفاقة تحت أعلامنا التي نريد أن نطويها لنرفع علم اتحاد الدول العربية لا جامعة عربية لم نعد نعرف لها وجهاً، لا في الصوت ولا في الصمت. وأحتار فيما أفعل.. وأنا المنعزلة مع جراحي وآلامي وأوهامي.. هل أحمل نفسي الى حي الحسين، أتنسم عبير روحانية حملت جزءاً من دمشق أو جزءاً من الحسين الى أرض مصر العربية الإسلامية؟.. أم أتسلل الى مسجد عبد الناصر، حيث ثلة من المصلين كما يقولون الى ثورتهم الأولى يعودون؟ يقتلعون جذور الملكية ليبذروا بذور الجمهورية التي تعترف أولاً بالكادحين والفقراء والمساكين. وها أنا لا أستطيع أن أقوم بهذا أو ذاك.. فأعود الى واقعي في كلام من بين الغمام.. أكاد لا أعرف نفسي فيه.. بينما وطني تجترحه سحابة سوداء تمطر غضباً ودماً.. وتقطع السبيل بين الأخ وأخيه.. فلا عناق ولا تهاني.. ورمضان يعالج أبوابه ليدخل عوالمنا بشفافية وروحانية، تضع كل خلاف لتجعله اختلافاً هو في الأساس نهاية للمطاف. ومن عنادي وتمردي لا أريد أن أعود إلا ولو بزهرة ربيعية عربية أضمها الى صدري.. فأرجع الى المتنبي ليقول لي: أقِلَّ اشتياقاً أيها القلب ربما رأيتك تُصفي الود من ليس صافياً. |
|