تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«موقف الأزبكية من الأزمة المسرحية».. عمل لافـت لفرقة «باب» المسـرحية

ثقافة
الأثنين 1-8-2011
جوان جان

من مشهد صغير لاتتجاوز مدته عشر دقائق إلى عرض مسرحي متكامل انطلق المشروع المسرحي الساخر «موقف الأزبكية من الأزمة المسرحية» ليعبّر عن موقف أصحابه سعيد محمود وعلي وجيه من الشخصيتين اللتين قدمهما العمل كنموذجين يمثّلان شريحتين اجتماعيتين

تعيشان أحلامهما الكبيرة وآمالهما الصغيرة وهي الأحلام والآمال التي لا مجال لتحقيقها سوى خلف القضبان كما تفصح عن ذلك نهاية العرض المسرحي.‏

لا تقدم المسرحية تفصيلات عن خلفية العلاقة التي تربط شخصية الشاب الذي يعمل في بيع الدخان المهرّب مع الممثل المسرحي الطَموح، إذ حسبها أنها تضعهما معاً وجهاً لوجه، ومن خلالهما يتم كشف النقاب عن عالم كامل هو عالمها المحبَط والمليء بالهزائم والانكسارات التي يغلّفانها بسخرية لاذعة من نفسيهما قبل أن تكون سخرية لاذعة من المجتمع الذي يحتضنهما وينبذهما في الوقت ذاته.‏

والواقع أن العوامل المشتركة التي تجمع هاتين الشخصيتين قليلة جداً، تأتي في مقدمتها تلك الهوّة الشاسعة بينهما ثقافةً ومعرفةً، فالرجل الأول بسيط شبه أمّي، تدل على ذلك مفرداته وطبيعة تفكيره المحدودة وعدم قدرته على مجاراة نظيره الفنان المسرحي المثقف الذي غالباً ما يتفوّه بكلمات لا يفهم الآخر معناها ولا يعي مراميها على الرغم من رغبته الأكيدة في الاستفادة من معرفته برفيقه الفنان، بل ورغبته في أن يصبح هو الآخر ممثلاً ولكن بالطريقة التي يريدها هو لا بالطريقة المدرسية التي يحاول رفيقه أن يدربه عليها.‏

كما أن للشخصيتين نظرة مختلفة نحو العلاقات الاجتماعية، وهذه الفوارق بين الشخصيتين تُعتَبَر المدماك الذي بنيت عليه المسرحية التي كان دأبها الأول التركيز على تلك الفوارق لتوليد اللحظة الطريفة واللمحة الكوميدية المغلّفة بالنقد الاجتماعي الخفيف لمجتمع لا يأبه بالكائنات الضعيفة التي تشكل شخصيتا المسرحية إحدى نماذجها.‏

حاول العمل أن يمايز بين شخصيتيه من خلال التركيز الدائم على مستوى وطبيعة لغة التخاطب لدى كل منهما، إذ بينما تتصف عبارات الشخصية الأولى بالسوقية التي تصل إلى درجة الابتذال تنحو الشخصية الثانية نحو الرقي في لغة خطابها، وهذا التباين جعل بالتالي طبيعة تفكير الشخصيتين مختلفة ومنتمية إلى عالمين مختلفين، وهنا لا بد من السؤال عن السبب الكامن وراء تلك العلاقة الخفية التي تربط الشخصيتين.‏

الواقع أن العمل لا يقدم إجابات واضحة عن هذا السؤال حتى اللحظة التي يتم فيها الكشف عن أنهما سجينين، وبالتالي فإن تواجدهما معاً ليس أمراً اختيارياً بل هي حالة قسرية وجدت الشخصيتان نفسيهما مضطرتين للرضوخ لشروطها ولا مجال أمامهما إلا التعايش معها وتزجية الوقت بمحاولة كل شخصية جرّ الأخرى إلى عالمها.‏

وقد عمل الفنانان الشابان حسام جليلاتي ووئام اسماعيل على نقل هذا التباين في الشخصيتين من خلال طبيعة الأداء ومحاولة الدخول إلى عمق الشخصيات لرسم الملامح الخارجية لها، فكان أداؤهما نابعاً من البيئة المفترضة لكلتا الشخصيتين بمفرداتهما وأسلوب تفكيرهما وطبيعة معالجتهما للقضايا مثار الجدل بينهما.‏

نهاية العرض التي أوحت بوجود الشخصيتين داخل السجن حُمِّلت أكثر من طاقة العمل وشخصياته على تحمّله حينما أشير إلى ضرورة الحوار للوصول إلى ما هو أفضل، علماً أن الحوار كمفهوم مسرحي وكمفهوم حياتي مطروح اليوم أكثر من أي يوم مضى لم يكن غائباً عن العمل وعن الشخصيات التي كانت مشكلتها الوحيدة عدم وجود قواسم ثقافية وتعليمية مشتركة بين الشخصيتين وهذه الهوّة لا يمكن لأي حوار أن يردمها لأن لكل طرف في النهاية طبيعته وأسلوبه في الحياة النابع من تكوينه الاجتماعي والبيئي، ومن أجل الاستفادة من مفهوم الحوار المطروح اليوم ومن العديد من المفاهيم والمصطلحات التي لم نتفق بعد على مضامينها أو حتى على وضع تعريفات محددة لها ينبغي التمهّل قليلاً في أعمالنا الفنية بالعموم حتى نتوصّل في البداية إلى تعريف مشترك لهذه المفاهيم والمصطلحات قبل أن نزج بها بشكل تنقصه الدراسة والروية.‏

«موقف الأزبكية من الأزمة المسرحية» عمل مسرحي لافت لفرقة «باب» المسرحية التي سبق وأن قدمت أكثر من عمل مسرحي متميز، ولا شك أن تعاون الفرقة مع مديرية المسارح والموسيقا في هذا العمل سيفتح أمامها أفقاً أوسع للانطلاق مجدداً، وهنا لا بد من توجيه التحية لمديرية المسارح والموسيقا على ما تبديه من تعاون خلاق مع الفرق المسرحية الشابة، كما أن تقديم العمل في واحد من مسارح المعهد العالي للفنون المسرحية يُعتَبَر خطوة جديدة يخطوها المعهد نحو الانفتاح على التجارب المسرحية الفعالة في الساحة المسرحية السورية.‏

jaun@scs-net.org

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية