|
ثقافة للتعبير عن مكنونات النفوس المضطرمة غضباً وغيظاً تجاه الاستعمار الفرنسي من مثل اندلاع الثورة السورية عام 1925 وتظاهرات الشعب ضد المستعمرين الفرنسيين ومظالمهم ولقد كان هذا الاستيقاظ الأدبي ينصب في أكثره بقالب الشعر لأنه الفن المتقدم آنذاك الذي يحوي العواطف ويصهرها في شحنات نفسية متوقدة ولأن بقية الفنون الأدبية الرائجة حالياً كالقصة والرواية والمسرحية لم تكن معروفة إلا كبنيات أولية في الشرق العربي وإن كانت قد وصلت في الوقت ذاته إلى قمة ازدهارها في الغرب المتحضر لذلك يستطيع الدارس أن يقول إن الحركة الأدبية في سورية عامة وفي حمص بالذات خلال المرحلة المشار إليها أعلاه كاصطلاح نقدي- تعني أول ماتعني الحركة الشعرية لا النثرية وماينضوي تحتها من فنون أدبية مستحدثة، فحمص مدينة شاعرة وإذا أحصينا الكم العددي لهؤلاء الشعراء إبان هذه الفترة التي نتعامل معها دراسيا لوجدنا أنهم يجاوزون الأربعين شاعراً خلال مساحة زمنية تجاوز نصف قرن، وهذا لاشك وفر في الحس الشعري والاستجابة الجماهيرية القارئة. على حين إننا إذا التفتنا إلى المسرح والمسرحيين والقصة والقصاصين كفنين أدبيين وافدين يدخلان ضمن اصطلاح الحركة الأدبية وقعنا على القلة القليلة من المهتمين إنتاجاً بهذين النوعين من أنواع التعبير الأدبي يأتي على رأسهم مراد السباعي الذي يعتبره دارسو الأدب تلميذاً نجيباً مخلصاً للفن القصصي عند غوركي وموباسان ومحمود تيمور، وتتميز قصصه برصد الحادثة الاجتماعية الشعبية وبمرونة الحوار وحيويته وباللغة المشرقة البسيطة التي يفهمها العامي الثقافي كما يرتاح لها المثقف الناضج الثقافة والبناء القصصي لديه يجري على الطريقة الكلاسيكية فهو كالشاعر القديم لا يتطور وفي اعتقاده أن المنهج التقليدي لأي إبداع أدبي هو الفن الأصيل وما يحدث من جديد متطور ليس بفن. وكانت أول مجموعة طبعها في عام 1948 باسم كاستيجا وتضم مجموعة قصص قصيرة تحكي واحدة منها عن تعلق الشباب الحمصي آنذاك بفتاة برازيلية جميلة كانت تعيش في حمص وتحمل هذا الاسم وتثير المجتمع بجرأتها وتحررها ثم نشرت له دار الفكر العربي بالقاهرة في عام 1952مجموعته الثانية وعنوانها (هذا ما كان..) وتتألف من إحدى عشرة قصة قصيرة تمثل خطوة متقدمة فنياً وأسلوبياً على المجموعة الأولى، وأما أول مسرحية ناضجة عنده فهي (وجوه وأقنعة) وقد كتبها عام 1930 ومثلت مراراً على مسارح حمص ثم ألف مسرحيته الثانية وهي (شيطان في بيت) وتقدم بها بعد عشرين سنة من تأليفها إلى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والأدب والعلوم الاجتماعية في القطر فنالت جائزته عام 1961. ويلخص عبد الباسط الصوفي في مطالعاته عن أدباء حمص رأيه في مراد السباعي القصاص والمسرحي بقوله:«ولاشك أنه ذو موهبة رائعة نشر عدة مجموعات قصصية وهو يعتبرها فتحاً جديداً في عالم القصة وهذا يدل على شيء كبير من الغرور والاعتداد بالنفس فيما يكتب بالرغم من نظرته الواقعية للحياة تصدى له المرحوم عبد السلام عيون السود في عدة مناقشات طويلة ثم نقده عبد الفتاح عكاش ورأى في الشخصيات التي يقدمها شخصيات باهتة لاتثير أي عاطفة إنسانية. ويتابع عبد الباسط فيقول: «لقد حاول أن يحافظ على الإطار الكلاسيكي للقصة وبرع في الحوار والحوار كفن، عنصر أساسي في التأليف المسرحي وفي الواقع ألف عدة مسرحيات.. لقد قلت له ذات مرة: إن من المناسب أن تتحرر من الشكل التقليدي في القصص. فلوى شفتيه ثم أجاب: إن العمل القصصي ليس مجرد موهبة بل صناعة ولابد من منهج تخضع له القصة إلى حد ما فقلت له: ولكن ذلك يفقد كل حرارة يمكن أن تشيع في النماذج القصصية فآثر الصمت وزم فمه.. إن غروره يكاد يقتل موهبته». ولابد لنا أن نتساءل: ما دور النقد الأدبي وما أمداء فعالياته في البيئة الأدبية بحمص خلال هذه الفترة التي نعالجها؟!.. للجواب عن هذا السؤال من الضروري يجب أن نشير إلى أن فن النقد الأدبي وما يستتبعه من دراسات أدبية خلال هذه المرحلة من مراحل تطورنا الثقافي كان فناً وليداً يحبو في خطواته الأولى على درب غير سالكه لكننا نستطيع أن نذكر مجموعة من الأسماء المخلصة كانت تحاول أن تتلمس إمكاناتها للسير على ترابه وتجرب الكتابة فيه قد يكون في مقدمتها إحسان سركيس الذي نشر سلسلة من المقالات في جريدة (الفجر) الحمصية ينظر فيها للمدرسة الواقعية في الأدب العالمي وأحمد الحاج يونس الذي أولى نقد فن القصصة القصيرة عنايته ووضع له بعض المعايير والمقاييس وعبد القادر الجنيدي في خواطره النقدية السريعة عن ارتباط الأدب بالحياة وعبد النافع طليمات ورؤيته المستحدثة للتراث في ضوء نظرته للمقامة كجنس أدبي متفرد ومقالات الشاعر وصفي قرنفلي الثلاثة عن شعر عقل ومقالته عن ديوان (أرجوحة القمر) لصلاح لبكي وقد نشرها جميعها في جريدة (المكشوف) اللبنانية خلال مطلع الأربعينيات من القرن العشرين, إلا أن الناقد الوحيد المتمرس الرائد الذي كان يختزن ثقافة واسعة منوعة ولغة نقدية متبلورة إلى حد ما طموحه للوصول إلى صيغة المصطلح النقدي وقد امتلك حساً جمالياً راقياً وإتقاناً مدهشاً للفرنسية واطلاعاً على آدابها ومذاهبها ليس على مستوى حمص فقط وإنما على مستوى سورية بل إن جناحه امتد إلى أطراف في الوطن العربي وخاصة مصر ولبنان فنشر مقالاته ودراساته في كبريات مجلاتهما في تلك الفترة وبالذات (الرسالة) و(الثقافة) المصريتين و(المكشوف) و(الأديب) اللبنانيتين، هذا الناقد هو محمد روحي الفيصل الذي شهد فيه كبير نقاد مصر آنذاك أنور المعداوي شهادة إيجابية طيبة وعدة أحمد حسن الزيات (من أصحاب الأساليب) لكن مراجعة أعماله النقدية في مجال القصة والشعر تظهر لنا أن اهتمامه إنما انصب على نقد الشعر خاصة وبالذات شعر الشعراء المشاهير الأعلام عربياً في تلك المرحلة كبدوي الجبل وعمر أبي ريشة ومحمد مهدي الجواهري ومحمد البزم وشفيق جبري، حيث أصدر في دراسة قصائدهم الملقاة في المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري ونقدها كتيباً اختار له عنواناً «لاذعاً تحت المبضع» ولكنه لم يتعرض في بقية تراثه النقدي الضخم للحركة الشعرية في حمص ولشعرائها إلا نادراً لأسباب لا متسع لبسطها في هذه المطالعة سوى ما نقع عنده على بضعة مقالات صغيرة سريعة يتصدى فيها بالإضاءة والتحليل لعدد من شعراء (حمص) - الشباب - حينئذ، ويلقي بأحكام موجزة مركزة حول كل منهم، كتعرضه لرضا صافي ومحيي الدين درويش ورفيق فاخوري ووصفي قرنفلي بشكل محدود دون الإتيان بنموذجات شعرية من أشعارهم دعماً لآرائه النقدية وتدليلاً على صحة نظراته في معطياتهم الإبداعية. |
|