|
مجتمع كلّنا، رجالاً ونساء، نتحدث عن قيّم من الصعب التخلّي عنها مهما كانت الأسباب، وربما نعيب على البعض الآخر التخلّي عنها ولكننا نهبط اضطرارياً فجأة فنقف أمام خيارين أسهلهما هو التخلّي عن تلك القيم التي لانتخلّى عنها (نظرياً) عادةً.. يقولون: ( على قدّ بساطك مدّ رجليك)، يقتنع أغلبنا بهذا المثل ويطبّقه في مواضع كثيرة، لكن عندما يتعلّق الأمر بمناسبة خاصة (مثل عرس مثلاً) فإن كل تلك القناعات ستذهب إلى سلة المهملات وستكون أنتَ أو هو مضطراً لقبول ما لم تكن تقبل أن تفكّر به في غير هذه المناسبة أو هذه الظروف.. هناك ظاهرة دارجة وسائدة كثيراً هذه الأيام وهي استئجار فساتين للسهرة في مناسبات معينة وخاصة للأعراس التي تكثر صيفاً فما الذي يحكم هذه الظاهرة؟ السيدة (هند) التي التقيتها على باب أحد المحال المخصصة لتأجير الملابس وبعد تردد أجابت عن سؤالي بالقول: (لدي عرس بعد يومين، وهذا ثالث عرس سأحضره خلال شهر تموز ومن غير المنطقي أن أحضر دائماً بملابسي الخاصة لأن المدعوين هم أنفسهم وعليّ أن أرتدي ثياباً جديدة ولا يوجد لدي أكثر من فستان سهرة لذلك فإن الاستئجار هو الحلّ الوحيد) وعندما سألتها عن السعر وعن قناعة زوجها بالموضوع قالت: ( ندفع من 600- 1500) ليرة أجرة الفستان لسهرة واحدة وذلك حسب قيمة الفستان والطلب عليه، أما قناعة زوجي فتغيب في ظلّ عدم قدرته على شراء فستان سهرة جديد في كل مناسبة ولا أجد مشكلة في استئجار الفستان.. كلام السيد (هند) ولّد لدينا أكثر من سؤال في هذا الإطار فقصدنا محلاً لتأجير الملابس النسائية والولادية وسألنا العاملة فيه (دون ذكر اسمها أو اسم المحل) فقالت: لدينا في المحل أكثر من (100) فستان سهرة مختلف الأحجام والموديلات، وتتراوح أسعار تأجير الفستان لسهرة واحدة من (500-2000) ليرة سورية حسب الفستان والإكسسوارات المرافقة له، وهناك طلب كبير على الفساتين وخاصة في فصل الصيف، حيث تكثر الأعراس والمناسبات الأخرى. السيدة (راما) التي التقيناها في محل آخر للغاية نفسها ردّت على بعض استفساراتنا حول هذا الموضوع فقالت: (لا توجد أي مشكلة في استئجار فستان للسهرة أو للعرس، الموضوع ليس مرتبطاً دائماً بالحالة المادية كما يتصوّر البعض، فأنا حالتي المادية ممتازة ومع هذا لا أقتني فساتين سهرة أبداً فالمحال كثيرة ويمكنني أن أظهر في كل سهرة بفستان مختلف، أين المشكلة في ذلك؟). سألت أكثر من سيدة أخرى بعيداً عن محال تأجير الملابس ممن أعرف عنهن قناعات معينة وأكثر اعتدالاً في فهم الحياة كما يظهرن فرفض أكثرهن الإدلاء برأيهن بهذا الموضوع إن كنّا سنذكر أسماءهن... خلاصة ما سمعته منهن يتمحور حول بعض النقاط أهمها موضوع التقليد الذي تنجرف إليه السيدات في هذا الموضوع فأصبح معظمهن يرفض حضور أي مناسبة إلا بملابس سهرة، والمسألة الثانية تعتبر بعض النساء أن هذا الأمر يشكل تحرراً من قيود اجتماعية بالية ويلغي مسافات موجودة أصلاً بين شرائح اجتماعية مختلفة المستوى المعيشي، والنقطة الثالثة هي أن الحالة المادية للأزواج لا تساعدهم على شراء أكثر من فستان سهرة فيضطرون للقبول بالاستئجار. أين يكمن الحرج في هذا الموضوع؟ هذا السؤال ردّت عليه السيدة (لينا) بقولها: عندما تكون من ضيعة يعرف أهلها بعضهم بعضاً ولا يكون أمامك سوى خيارات قليلة في هذا المجال (أنا من قرية فيها محلان لتأجير الملابس ولا يتجاوز عدد الفساتين في المحلين 20 فستاناً) وبالتالي فإن ما ألبسه أنا في هذه المناسبة ستلبسه جارتي في مناسبة أخرى بعد أيام قليلة ويبدأ بعض الناس بالتندّر على هذا الموضوع لهذا أنصح النساء بفعل ما فعلته وهو استئجار الفساتين من خارج القرية فعندها لن يعرف أحد من لبس الفستان قبلي.. هي ظاهرة اجتماعية تستحق التوقف عندها ولو في إطار القناعات، أما الجانب المادي فلا يستطيع أحد أن يضرب على يد غيره ويجبره على الاستئجار، ولكنها في المطلق تسرق الذوق الشخصي وتفرض على المرأة وزوجها ذوقاً ما من باب (هذا هو الموجود) تحت وطأة عدم القدرة على الشراء. |
|