|
الافتتـــاحيـة ولا يستحق هذه البهرجة الإعلامية التي رافقته أو تلته. ومع ذلك فإنه سيكون هناك ألف مبرر لهذه النشوة «بالمنطق الأميركي»، كما سنجد ألف سبب كي تعبر عنها بكل الطرق المتاحة بعد أن وجدت فيه ما يحفظ لها ماء وجهها من جهة، وما تعتقد أنه منفذ للعبور السياسي والتدخل في الشؤون الداخلية لسورية تحت مظلة البيان ذاك من جهة ثانية. فإذا كانت الإدارة الأميركية تعترف بأن التطورات تتجه نحو مسار خطر وتوجه اتهامها في ذلك إلى سورية!! فإن السؤال المنطقي الذي يملي حضوره -وبإلحاح- إلى أي حد أضاعت أميركا بوصلة القراءة، ثم ما المعيار الذي تعتمده لقياس خطورة اتجاه.. وما الخطورة بالنسبة لأميركا هل كل ما يتعارض مع مصالحها أم مع مصالح المنطقة أو مع المصالح الإسرائيلية تحديداً؟! الإجابة تقتضي في حدها الأدنى قراءة هادئة لردود الفعل، لنجد أنها تعكس رؤية مسبقة ثم تصميمها لتكون بداية حملة لن تكتفي بما جاء في البيان، بل ستتخذه عباءة لتمرر من خلاله ما هو خارجه أو ما لم يرد فيه، في حين ستكون الخطوة التالية اتخاذه عكازاً لحملة سياسية ودبلوماسية تمني نفسها بالنفاذ من خلالها لتحقيق ما عجزت عن تضمينه في البيان. وفي الحالين ستعمد الدبلوماسية الأميركية وتحذو حذوها بعض الدبلوماسيات الغربية -التي لم يشف غليلها البيان-« وقد استجدت السيدة كلينتون مساعدتها» إلى توظيفه كتوطئة للاستمرار في حملة الضغط السياسي، وربما كان المطية التي تتوهم أنه يمكن من خلالها النفاذ إلى أبعد مما يتيحه ويحقق اختراقاً ولو كان جزئياً أو لبعض الوقت. ما يغيب عن هذه التفاصيل جميعها أن ما انطوى عليه البيان أو ما يراد له لا يصلح لكل هذه الاحتمالات، ولا يمكنه أن يحتمل تفرعاته والتقاطعات التي يمكن أن تنشأ عنها، لذلك بدت عمليات النسج السياسي والحياكة من بعدها على هذه المعطيات تفتقر القدرة على التأثير البعيد، وإن كان يوحي بغير ذلك على المدى القريب. غير أن الأهم في هذا السياق أن الزوبعة التي أُريد لها أن تتواصل بأي ثمن كان، تأخذ منحى مختلفاً، وهو منحى يراد له أن يتلاقى مع مخاوف واشنطن.. وهو ما دفع بها إلى التعبير ذاك مع اليقين المطلق بأن الحالة لا يمكن لها أن تركن وفق المشيئة الأميركية وسبق لها أن جربت في الماضي، وتجربتها اليوم لن تكون أفضل من سابقاتها. الفارق بين اليوم والأمس أن حسابات السياسة المتعجلة لقطف وتوظيف أي اختراق ولو كان افتراضياً لم تتطابق مع بيدر التطورات، وفيما المشهد برمته ينحو باتجاه مغاير، تتعجل كل الدوائر الغربية تقريباً في ممارسة الاستعجال ذاته من «الاستفزاز» الذي عبرت عنه الخارجية الفرنسية بعد صدور قانوني الأحزاب والانتخابات إلى مخاوف نظيرته الأميركية من المسار الخطر!! الواضح أن تسارع الخطوات الإصلاحية في سورية لم يرق لهم.. أسقط في يدهم وأفقدهم ذرائع مارسوا من تحت ستارها محاولاتهم وتشاركوا في إدارة هذه الحرب الكونية بأبعادها وأدواتها ووسائلها، وبالتالي فإن إدارتها اليوم تواجه مأزق الإفلاس. سبق لكل هذا الغرب المتحمس أن تعامى عن كل الخطوات السابقة.. وتجاهل كل الحقائق على الأرض ومارس سياسة التهويل والرسم المسبق و«الافتراضي أحياناً» للأحداث.. وواجه في الوقت ذاته تقاطعاتها السياسية على هذا الأساس.. لذلك جاء الابتهاج الأميركي مرادفاً للاستفزاز الذي شعر به جوبيه وخارجيته.. وموازياً له في السياق. وما استفز جوبيه أخاف كلينتون.. وما أخافهم جميعاً أن سورية تخطو بإصلاحاتها بعيداً عن كل حساباتهم.. وكل حملات الضغط والاستفزاز والتهويل والمبالغة، لم ولن تعدل في المسار الذي تخطه سورية.. ويبدو توجهاً خطراً ليس في سورية فحسب بل وفي المنطقة.. وموضع الخطر فيه أنه لايتوافق مع مخططهم.. ولامؤامراتهم.. ولاغاياتهم ولا يتلاقى مع مصالحهم ولا مع مصلحة ربيبتهم إسرائيل!!. |
|