تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ذكريات عائلة جولانية:للميجنا والأغاني مساحة واسعة في حياتنا

الجولان في القلب
الأثنين 8-8-2011
ميساء الجردي

أيام كانت عابرة بالحب والأمل، أخذتها سنون العمر إلى رحلة لم تكن يوماً بالحسبان، ومن أحضان قرية تحيطها الحقول الخضراء والينابيع وغابات من أشجار البلوط والسنديان والبطم والزيتون إلى طريق معبد بالأشواق والحنين.

فقد تزاحمت الذكريات لدى الحاج أسعد محمد حسين طالب وزوجته أم جميل عندما سألناهما عن حياتهما في قريتهما الجولانية جباتا الزيت قبل الاحتلال وعن طبيعة الجولان الخلابة وحياة الكروم إلى الحياة الاجتماعية البسيطة التي اتسمت بالحب والتعاون وعلاقات أهل القرية مع بعضهم وغيرها من الأمور.‏

ولعل الجبال الشاهقة والأشجار الكثيفة والأحراش وجدول المياه والربيع ووقوع القرية على سفج جبل الشيخ كجوهرة تزينه أعطت لأهالي القرية طبيعة خاصة من الأعمال.‏

يقول الحاج أسعد: غالبية سكان القرية بل جميعهم كانوا يعملون بالزراعة والرعي وكانت كل عائلة تملك قطيعاً كبيراً من الماعز، وكان لدى والدي حوالي 400 رأس من الماعز وبعض الأبقار.. وكنا نذهب إلى المراعي الواسعة منذ الصباح الباكر نحمل معنا بعض الطعام ونكمل غذاءنا من حليب الماعز، فقد كانت العادة لدى الرعيان شرب الحليب الطازج ونحن في الجبال نأكل الفواكه والخضار وانسجام الطبيعة وجمالها يجعل للعتابة والميجنا مساحة واسعة فقد كانت الأغاني والكيف جزءاً من حياتنا اليومية.. وحتى في أوقات الشتاء لم نكن نقطع العمل، بل كنا نذهب إلى احدى المزارع التابعة لجباتا الزيت وكانت رحلتنا تستمر حوالي ثلاثة شهور في هذه المناطق.‏

أما الزراعة فهي جزء هام أيضا من حياتنا، فقد كان لدينا كرم الميادين مساحة على مد النظر، تزينه أشجار التين والعنب.. وكنا نجمع العنب ثم نغليه في أوان من النحاس كبيرة جدا تدعى «الدست» ونضع منه الدبس كانت قريتنا مشهورة بخوابي الدبس كما هي مشهورة بالزيتون والزيت البلدي الصافي والشافي من الأمراض‏

ويتابع أبو جميل حديث الذكريات قائلاً كان في قريتنا العديد من المعاصر وكان موسم الزيتون يستهلك الكثير من الوقت والجهد ويتعاون فيه أهل القرية والقرى المجاورة ومن شدة جودته كان الزيت في الشتاء يقطع بالسكين مثل الفواكه والدبس نحفره حفراً بالملاعق الكبيرة لنتمكن من اخراجه من الخوابي..‏

وكذلك القمح والحبوب الأخرى فقد كنا نزرعها ونحفظها ضمن خزائن خاصة وقد كان في القرية مطحنة تعمل على الكهرباء صاحبها دياب عساف..وهذا وفر على الناس النزول إلى مطحنة بانياس.‏

أصالة المرأة الجولانية‏

لم يكن دور المرأة الجولانية أقل أهمية من دور الرجل، تقول أم جميل زوجة الحاج أسعد.. كنا نساعد أهلنا في جميع الأعمال حتى أننا كنا نشارك في طينة البيوت وترميمها وفي الزراعة وقطاف الزيتون وصنع المونة فقد كان العمل مستمراً في النهار وفي الليل أحياناً حيث نقوم بأعمال العجن والخبز والطبخ في أوقات متأخرة من الليل حتى نستطيع أن نذهب في الصباح إلى الكروم.‏

ونذكر حياة والدها قائلة: لم يكن منزلنا يخلو من الضيوف والناس فقد كانت بيوتنا واسعة وشرحة وكان الخير والرزق كثيراً اذ كانت الحواكير التي نزرعها بجانب البيوت مقسمة إلى أنواع من الخضار والفاكهة وكلها طبيعية وشهية ولم نكن نرى الأمراض حينها.‏

وكان والذي يملك بستاناً كبيراً من الخوخ الأصغر حتى إن فلاحته كانت تستغرق أربعة أيام.. وكان يطعم البطن بالفستق الحلبي ويحصل على منتوج بديع من الفستق الحلبي، وأذكر كيف كانت عناقيد الجرنك والخوخ تميل مع أغصانها حتى تصل إلى شتلات الخضار.‏

للأسف كل ذلك ذهب، لقد حزنا كثيراً واحترق قلبنا على قريتنا وأهلنا وعلى أملاكنا ورزقنا انه تعب أهلنا وأجدادنا.‏

تفاصيل‏

تركت هذه العائلة كما هي حال كل الأهالي من كل ما يملكونه، واجبروا على النزوح.. لا يزال منزلهم هناك في القنيطرة المدمرة شاهداً على همجية اليهود بالقرب من الشريط الشائك، بجانب المطعم الموجود في القنيطرة، هذا بالإضافة لما تركوه من بيوت وبساتين ومزارع ومواشٍ في قريتهم جباتا الزيت.. خرجوا بملابسهم فقط، وكانت حياتنا غنية بالعمل والحب والتعاون، فقد كنت أعمل بالزراعة والرعي كما هو حال أهل قريتي، ويقول: لم يبق من تلك المرحلة إلا الذكريات التي كلما اشتد بنا الحنين إلى القرية وخضرتها ومياهها وإلى أيام الصبا والشباب.. تحملني إلى رواب وحقول قريتي، فقد بلغت ال 80 من عمري وأنا أنظر إلى الجولان العائد قريباً وقريباً جداً إلى الوطن الأم سورية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية