|
شؤون سياسية وفي عام 1908 عقد مركز أبحاث أميركي بارز مؤتمراً، تبين لاحقاً أنه كان تاريخياً، طرح فيه السؤال التالي: هل ثمة أي وسيلة أخرى غير الحرب لتغيير حياة شعب برمته؟ وجاء الجواب سريعاً: ليس هناك وسيلة أكثر فعالية من الحرب لتحقيق هذا الهدف في تاريخ البشرية. هذان الحدثان اللذان يفصل بينهما نحو 100 عام، يشيان بأن الخرائط الجديدة للشرق الأوسط الجديد، لن تكون في الغالب إلاّ في أتون الحرب. لكن هنا سيتبين الفارق التنفيذي بين خريطة مارك سايكس في أوائل القرن العشرين وخريطة رالف بيترز في أوائل القرن الحادي والعشرين، إذ إن مهمة الأول كانت أسهل لأن مبضعه التقسيمي كان يعمل فيما الحرب العالمية الأولى تشعل العالم بأسره، فتحطم امبراطوريات عملاقة العثمانية، والنمسوية - المجرية والروسية، وتمسحها عن الخريطة. هذا في حين أن الثاني مضطر لأن يستخدم مبضعه بالتدريج خطوة خطوة على الطريقة الكيسنجرية. هذا على مايبدو مابدأ يحدث منذ عام 2001: حرب أفغانستان أولاً وبعدها حرب العراق، اللتان أدتا الى قسمة فعلية لهذين البلدين، وحرب لبنان 2006 التي كان يفترض أن تسفر عن نتائج مماثلة لولاتعثرها المفاجئ. ثم سلسلة الحروب الداخلية مرتفعة ومنخفضة الوتيرة في اليمن والسودان والعديد من البلدان العربية الأخرى. هذا هو التطبيق الفعلي لمبدأ «الفوضى الخلاقة» الذي تبنته ادارة بوش منذ اوائل عام 2000 والذي لايبدو أن ادارة اوباما تخلت عنه، بدليل مايجري الآن من زلزال في السودان، واضطرابات طائفية في العراق ومصر، وابتلاعات استيطانية جديدة في القدس والضفة، وعودة دعوات الحرب ضد لبنان وسورية وغزة وربما ايران. بالطبع، ثمة قوى عربية واسلامية ستتصدى لهذا المشروع عبر ثنائي في الممانعة والمقاومة. ولكن الخطر هنا أن الطرف الذي يفترض أن يكون الأكثر فاعلية في هذا التصدي، قد يكون من دون أن يدري الحليف الأهم للمشروع الاميركي- «الاسرائيلي». من هو هذا الطرف؟! إنه الطرف نفسه الذي يعلن أنه يمتشق السلاح لإلحاق الهزيمة بـ «الغزوة الصليبية - اليهودية»: الحركات الأصولية المتطرفة. فهذه الحركات يفترض أنها تشكل وعيداً لاوعداً لثورة العولمة التي تجتاح العالم وتقسمه الى عالمين: متصل بهذه العولمة ومنفصل عنها. بيد أن المحصلات الأخيرة لنشاط هذه المنظمات لايصب في هذا الاتجاه ، اذ هي تسهم الى حد بعيد في نشر «الفوضى الخلاقة» التي يتم على أساسها شن حروب الإدماج بالقوة والحروب. كتب توماس فريدمان في كتابه(العالم المسطح): «اليد الخفية للسوق لاتستطيع العمل أبداً من دون القبضة الخفية. ماكدونالد لايمكنه الازدهار من دون ماكدونيل دوغلاس (مصانع الأسلحة الأميركية) . وهذه القبضة الخفية التي تبقي العالم آمناً لتكنولوجيات وادي السيليكون كي تتمكن من الازدهار يطلق عليها اسم الجيش الأميركي ، وسلاح الجو الاميركي، وفرق المارينز الاميركية. بيد أن فريدمان نسي أن يضيف توضيحاً آخر: القبضة الخفية للعولمة الرأسمالية لاتستطيع العمل من دون مواجهة عدو يبرر وجودها. وهذا ماأنتجته أدبيات المحافظين الجدد بقيادة برنار لويس وتلميذه صموئيل هانتنغتون في اليوم الثاني لسقوط الشيوعية في أوائل التسعينيات، حين نظرت لعدو عالمي جديد اسمه الإسلام. أحداث ايلول 2001 شكلت التتويج الرسمي والعلني لعشر سنوات من العمل الأكاديمي والنظري الذي نجح في اضفاء «الشرعية الدولية» على ممارسات القبضة الخفية للعولمة، وفي تحويل الشرق الأوسط الإسلامي برمته الى ساحة قتال رئيسية تحت شعار الحرب العالمية ضد الإرهاب. وهكذا برزت الى السطح ليس الخرائط والنظريات فحسب، بل أيضاً حملات التدمير العلني للنظام الاقليمي العربي، سواء عبر الحروب المباشرة أو التفجيرات المجتمعية الداخلية. وهنا تم اللقاء الموضوعي بين مصالح ماكوورلدوبين ماتعتبره الحركات المتطرفة مصالحها، وهو تمحور حول النقاط المشتركة الآتية: اعتبر ماكوورلد معظم دول المنطقة«دولاً فاشلة» وانطلق لتفتيتها بالقوة المباشرة وغير المباشرة. وهي خطوة بترحيب حركات التطرف التي أطلت هي الأخرى على هذه الدول ككيانات غير شرعية يجب زعزعتها لتمهيد الطريق أمام «الحل النهائي» الإسلامي. التكتيك الأهم الذي اتبعه ماكوورلد لبدء تغيير الخرائط، عدا الحرب المباشرة كما في العراق وأفغانستان وباكستان والقرن الافريقي، هو اشعال أوار الصراعات المذهبية والطائفية والأثنية في الشرق الأوسط (كما فعل قبله البريطانيون والفرنسيون في أوائل القرن العشرين، وهنا قدم المتطرفون هديتهم الكبرى لماكوورلد وحليفته الرئيس «اسرائيل» حين أعلنوا الحرب غير المقدسة على الأقليات الإسلامية والمسيحية في الشرق الأوسط. |
|