|
ترجمة ملحوظ للخطوات الاحتجاجية التي انطلقت قبل أسبوعين تنديداً بموجة الغلاء وارتفاع أجور الشقق السكنية. ويتحدث محللون إسرائيليون عن حالة فزع أصابت رئيس الحكومة نتنياهو والليكود واليمين الإسرائيلي عموماً جراء موجة الاحتجاجات التي تبادر إليها قطاعات متزايدة من مجتمع الكيان الصهيوني.ففيما بدأت عدة نقابات إسرائيلية عمالية أخيراً بنصب خيام احتجاج في الساحات الرئيسية في المدن وأمام الكنيست الإسرائيلي، وبيت رئيس الحكومة في القدس، للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية المتعلقة بالسكن والتعليم والصحة، وذلك تحت شعار «الشعب يريد عدالة اجتماعية»، استقال مدير عام وزارة المالية حاييم شابي بعد انتشار موجة الاحتجاجات المتصاعدة، ضد الحكومة للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، وإنهاء التمييز الذي يعاني منه اليهود الشرقيون، في حين تعهد نتنياهو بإجراء تغييرات، وأمر بتشكيل مجموعة عمل ستكلف إيجاد السبل لتخفيف عبء تكاليف المعيشة، بعد يوم من الاحتجاجات الواسعة النطاق في الشارع. ثورة الخيام وبحسب ملحق معاريف الاقتصادي، توسعت حركة الاحتجاجات الشعبية على الأرض خلال الأيام القليلة الماضية، والتي أطلق عليها اسم «ثورة الخيام»، حيث انتشرت الخيام في أغلبية المدن، فشملت عشر مدن رئيسية أبرزها القدس، تل أبيب، حيفا، الناصرة وبئر السبع، في أكبر تحرك شعبي تشهده إسرائيل منذ تأسيسها قبل أكثر من 63 عاماً. ومن أبرز الشعارات التي رفعها المتظاهرون «الشعب يريد العدالة الاجتماعية»، وطالبوا المسؤولين بالعودة إلى نظام «الدولة الراعية»، وهو نظام اجتماعي كان زعماء الكيان الصهيوني أقروه عند تأسيسه للاهتمام بشؤون سكانه. ودفعت الاحتجاجات نتنياهو إلى البدء بوضع خطة للخروج من الأزمة تتضمن خفضاً في الضرائب غير المباشرة على الطبقات الوسطى. وانضم نشطاء من فلسطينيي عام 48 إلى التظاهرات، وخاصة أنهم يعانون من الكثير من مظاهر التمييز العنصري في جميع المجالات والمناحي وحرمان كبير في الخدمات مقابل ما تتمتع به الأحياء التي يقطنها إسرائيليون من ميزات. ونظم سكان في مدينة الناصرة، وبلدة باقة الغربية في وادي عارة تظاهرات طالبوا فيها الحكومة الإسرائيلية بتحسن الخدمات في مناطقهم. خسارة محتملة لليكود وذكر مراسل هآرتس أن عدد الذين نزلوا إلى الشوارع السبت الماضي تراوح بين 80 ألفاً إلى 120 ألف متظاهر، وفق تقديرات الشرطة ووسائل إعلام محلية. وفي تل أبيب، المركز الرئيسي للاحتجاج، احتشد أكثر من 50 ألف متظاهر وسط المدينة، حسب تصرح المتحدث باسم الشرطة ميكي روزنفلد للوكالة. في هذه الأثناء، دعا أعضاء في الكنيست الإسرائيلي إلى قطع العطلة الصيفية، وطالبوا بالتئام سريع للبرلمان لبحث أزمة الاحتجاجات. وذكرت الإذاعة الإسرائيلية أنه من المقرر أن يطلب رئيس الكنيست رؤوفين ريفلين من لجنة الكنيست مناقشة اقتراح وزير الداخلية رئيس حزب شاس إيلي يشاي بشأن إلغاء العطلة الصيفية للكنيست، ليتسنى لها التعامل مع موجة الاحتجاجات الشعبية التي تعم البلاد. إلا أن رؤساء الكتل البرلمانية لم يؤيدوا هذا الاقتراح، وقال رئيس لجنة الكنيست النائب الليكودي ياريف ليفين: إن لجان الكنيست ستلتئم خلال العطلة الصيفية للبرلمان كلما اقتضت الضرورة ذلك. من جانبها؛ أشارت صحيفة هآرتس إلى احتمال خسارة حزب «الليكود» الحاكم في الانتخابات القادمة، وقالت: «وفقاً للواقع الراهن والذي ينذر بأزمة حقيقية على صعيد المجتمع الإسرائيلي وجوانب الاقتصاد المختلفة يشير لإمكانية انتهاء حلم نتنياهو بحكومة ثالثة، وخاصة أنه عين نفسه وزيراً للشؤون الإستراتيجيةالاقتصادية قبل 28 شهراً، والواقع اليوم يتجه نحو مزيد من الأزمات الاقتصادية المختلفة»، حسب تقديرها. وبحسب الخبير الاقتصادي نحميا شترسلر في «هآرتس» فإن نتنياهو يبذل أقصى ما في وسعه حاليا لإيجاد مخارج اقتصادية لمواجهة الأزمة. وفي هذا السياق يميل لتخفيض الضرائب، ما يساعد في تخفيض أسعار المواد وبالتالي تكلفة المعيشة. ولكن تراجع الجباية الضريبية من ناحية والاضطرار لتقديم زيادات في الأجور من ناحية ثانية كفيل بزيادة الاعتراض في كل من وزارة المالية بسبب الأعباء على الميزانية وبين رؤساء منظمات رجال الأعمال. ولكن من الناحية السياسية تغدو المسألة أشد صعوبة. فالاحتجاجات في الأساس تأتي من الطبقة الوسطى التي كانت حتى وقت قريب تشكل القاعدة الأساسية لأحزاب الوسط وخصوصاً الليكود. والمسألة حاليا تتمثل في الصدام المحتمل بينه وبين أصحاب الاحتكارات والكارتيلات الذين كانوا أيضا حتى الآن السند الأول لنتنياهو. وثمة من يعتقد أن الأزمة في الثقة التي تتبدى الآن سوف تقود إلى التأثير الجدي على الاقتصاد الإسرائيلي في الأونة القريبة على الأقل. لا فرق بين يميني ويساري من جانب آخر هناك في اليمين والليكود على وجه الحصر من يروج أن الاحتجاجات يسارية الطابع، متناسين أن الاحتجاج لا يميز في دوافعه ونتائجه بين يميني ويساري. ولكن هذا الترويج يراد به إبعاد كل شبهة عن الموقف السياسي. فالجمهور يؤيد اليمين ليس فقط في السياسة وإنما أيضا في الاقتصاد. ومع ذلك هناك من يقول إن الاحتجاج قد يقود إلى تغيير كامل الخريطة السياسية في إسرائيل. فلا اليمين يبقى على حاله ولا اليسار. والأهم أن ذلك التمييز القائم حالياً بين المخصصات الحكومية للمستوطنين وللحريديم يمكن أن تتأثر بشكل كبير، ما يعني تغييراً في السياسة. وباختصار هناك قلة في إسرائيل ترى في الاحتجاجات الاجتماعية الاقتصادية أمراً معزولاً عن السياسة. حركة الاحتجاجات المتصاعدة في الشارع الإسرائيلي وجدت لها صدى كبيرا في الصحافة الإسرائيلية، وأفردت كبريات الصحف الإسرائيلية مساحات واسعة من تحليلاتها لمناقشة هذه الموجة فقد كتبت تالي فير في معاريف تقول:»إن الهبة الاجتماعية الكبيرة قد انتظرت قادة الخيام لكن كان يجب أن تحدث. فليس ألمنا مجرد ألم، فنحن نتألم لأن حكومات إسرائيل تفعل كل ما يجب منذ أكثر من عشرين سنة كي تؤلمنا. وإليكم عدد من المعطيات عما حدث ههنا. السكن: إن الدولة تبيع أصحاب المشاريع أراضي منذ سنين بلا رؤيا او سياسة تتعلق بما سيبنى، وهؤلاء يبنون في الأساس شققاً فخمة. لا توجد شقة واحدة في مناقصات بناء مديرية أراضي إسرائيل تقرر أن تكون سكناً قريب المتناول او سكنا عاما. وفي مقابل هذا قلصت ميزانية وزارة الإسكان. فعلى سبيل المثال انخفضت ميزانية مساعدة القروض السكنية بنسبة 79 في المئة منذ 2002. وبيعت شقق السكن العام ولم تبنَ شقق أخرى مكانها. واقتطع نصف مبلغ المساعدة في أجرة الشقة للمستحقين في سنة 2003 وسحق منذ ذلك الحين بنسبة 30 في المائة. ميزانيات مهلهلة الصحة: منذ نهاية التسعينيات سحقت الميزانية الحقيقية بتزويد سلة الخدمات العامة بنحو 40 في المئة. وقد بدأت الصناديق، التي يفترض أن تمنح كل شخص عناية عامة متساوية، بدأت تبيع التأمينات الاستكمالية مثل كل شركة تأمين. وانضمت اليها شركات التأمين التي استغلت مخاوف الجمهور فباعت التأمينات الخاصة. وانخفض عدد الأسرة في المشافي لكل ألف نسمة من 2.3 في 1990 إلى 1.9 في 2010. وانخفض عدد الاطباء لكل ألف نسمة من 3.7 في 1995 إلى 3.4 في 2010. وهذه المعطيات أقل كثيراً من المتوسط في الدول الصناعية المتطورة. التربية: جرى في العقد الاخير اقتطاع 250 ألف ساعة دراسية أعيد منها في السنتين الاخيرتين مئة الف ساعة دراسية فقط. وانخفض متوسط النفقة على الطالب في إسرائيل وهي منخفضة بمقياس دولي، فإسرائيل في المكان السادس والعشرين بين الدول الصناعية المتقدمة الأربع والثلاثين. والنتيجة ان أجور المعلمين أقل كثيرا من الأجور في العالم الغربي، وتدهورت مهنة التدريس وحدث انخفاض ملحوظ في إنجازات الطلاب. وينفق الآباء نحو من 15 مليار شيكل كل سنة على تربية ابنائهم. رأسمالية خنزيرية وكتب عكيفا الدار في هآرتس: «لماذا حصل هذا ألان بالذات؟ فـ «الرأسمالية الخنزيرية» لم تولد أمس. هذا الابداع اللغوي اخترعه صاحب الحقوق شمعون بيرس، حين كان رئيس المعارضة، قبل سبع سنوات حين أعلن أن «نتائج السياسة الاقتصادية للحكومة هي 6 آلاف مليونير و 6 ملايين شحاد». هذه السياسة بقيت على حالها بعد أن انضم بيرس إلى حكومة الليكود برئاسة شارون. الطبقة الوسطى جثمت تحت عبء السكن، التعليم، الصحة، الغذاء والوقود حتى في عهد حكم أيهود أولمرت. «الطريقة» ليست جديدة. الضرائب التي دفعوها كانت عالية جدا والرواتب كانت منخفضة جداً حتى عندما نزل رئيس المعارضة في أجنحة ملوكية على حساب أرباب المال اليهود. من جهتها علقت صحيفة إسرائيل اليوم على الاحتجاجات بقولها:». إن من يزعمون أن المتظاهرات سياسية وان هدفها تنحية نتنياهو عن الحكم مخطئون. فأكثر المتظاهرين يريدون تغيير ترتيب الافضليات واقرار وضع الطبقة الوسطى باعتبارها قوة تفخر بعملها ومستوى عيشها. لا توجد حكومة تستطيع أن تقبل أكثر طلباتهم، ويصعب اجراء تفاوض في وقت لا توجد فيه قيادة واضحة للجمهور المحتج. لكن حكومة تستمر على التوجه الاستيطاني ومشايعة الجمهور الحريدي سيصعب عليها أن تحكم. يسهل على اليمين أن يواجه يساريين من جهة سياسية لكنه لن يلقاهم الا مع المطالبة بالتغيير الاجتماعي. |
|