تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أرقام الإنفاق الشهري فتّقت المواجع

شباب
الاثنين 8/8/2011
غانم محمد

لو أن شبابنا يبدؤون حياتهم بشكل صحيح لكان بإمكانهم أن يمضوا على دروب الحياة بشيء من الراحة النفسية والمادية ولكن البدايات الصعبة لمعظمهم تجعلهم يرزحون تحت نتائج هذه البداية المضطربة ردحاً طويلاً من حياتهم...

في أكثر الحالات تفاؤلاً ومثالية فإن الشاب وبعد تخرّجه من الجامعة مباشرة يجد بنت الحلال التي تماثله في حالته التعليمية (أي جامعية) ونفترض جدلاً أن الشاب ومن اختارها شريكة لحياته قد وجدا الوظيفة المناسبة لكنهما مطالبان بالحدود الدنيا بتجهيز الشقة التي نفترض وجودها هي الأخرى فهل نراجع حساباتنا ونحسب من جديد كم سيدفع هذان الشريكان لتصبح الشقة جاهزة وتضمّ كل متطلبات الحياة العصرية من مكيف ومايكرويف وغسالة وبراد..الخ؟‏‏

حتى في هذه الحالة (المثالية) تحضر المعاناة مع أنها غير متوفرة للقسم الأكبر الذي يضطر للتسجيل على شقة ويستمر ثلاثة أرباع عمره بدفع أقساطها ويضطر نتيجة لهذا الأمر إلى حساب إنفاقه بالورقة والقلم وقد لا يجد أكثر من 10-15 ألف ليرة يصرفها شهرياً..‏‏

ومع أن هذه الحالة ليست متوفرة للكثيرين كما أسلفنا إلا أننا سنعتمدها مؤشراً لمقاطعتها مع ما بين أيدينا من معلومات رسمية تؤكد أن متوسط الإنفاق الشهري في سورية هو أكثر من ثلاثين ألف ليرة سورية!‏‏

نطرح مشكلة اجتماعية معينة ونأخذ فيها بعض آراء الشباب لقناعتنا أنهم الحلقة الأهمّ في بنية الأسرة السورية ومقياس حالة المجتمع والبوصلة التي يفترض أنها تحدد الخطط والاستراتيجيات وتُبنى عليها المحاولات..‏‏

لا نشكك بالمعلومات الرسمية، وعندما نطلّع عليها غالباً ما نتمنى أن تكون دقيقة لأنها قاعدة لانطلاقة نريدها في وطننا في قادمات أيامه، لكن عندما نعرضها على شرائح مختلفة من شباب الوطن يستغربونها بل ويضحكون منها أحياناً..‏‏

الرقم الذي سنتعامل معه في هذا الملفّ هو ما أصدره المركز الوطني للإحصاء عن متوسط إنفاق الأسرة الشهري الكلّي حسب الحالة التعليمية لرب الأسرة لعام 2009 وقد عرضنا الأرقام الواردة في هذا التقرير على عدد من الشباب ومن شرائح مختلفة ومن مناطق مختلفة وبالوقت ذاته سألناهم عن معدّل إنفاقهم وعن معدّل دخلهم الشهري فكان التباين كبيراً بين الأرقام التي سمعناها منهم وبين الأرقام الواردة في التقرير..‏‏

نستعرض بداية ما جاء في تقرير المركز الوطني للإحصاء حول معدّل الإنفاق الشهري والذي تراوح بين (25753) ليرة للعائلة التي يعيلها ربّ أسرة أميّ و(49544) ليرة للعائلة التي ربّ أسرتها يحمل شهادة جامعية فأكثر، ومتوسط الإنفاق العام بين جميع الفئات الاجتماعية المدرجة في البحث هو (30826) ليرة شهرياً.‏‏

وجاء متوسط الإنفاق الشهري حسب المحافظات وفق التالي: دمشق (40196) ليرة، حلب (29994) ليرة، ريف دمشق (32498) ليرة، حمص (29548) ليرة، حماة (27890) ليرة، اللاذقية (34296) ليرة، إدلب (24890) ليرة، الحسكة (28200) ليرة، دير الزور (24297) ليرة، طرطوس (34771) ليرة، الرقة (26522) ليرة، درعا (32217) ليرة، السويداء (28370) ليرة، القنيطرة (31765) ليرة وعلى مستوى القطر كما أسلفنا (30826) ليرة شهرياً.‏‏

لا نعلم إن كانت عيّنة البحث التي صدرت على أساسها هذه الأرقام مختارة بدقة أم كانت عشوائية لأن النتائج التي وصلت إليها الدراسة لا تبدو منطقية ولا يجوز تعميمها واعتمادها كقاعدة بيانات عامة، فهناك أسر كثيرة لا يصل دخلها إلى (20) ألف ليرة شهرياً فكيف لها أن تصرف (30) ألف ليرة...‏‏

(... أنا موظف من الدرجة الأولى منذ عام 1996 وعلى الرغم من كل الترفيعات الوظيفية والزيادة على الراتب فإن راتبي هو أكثر من 22 ألف ليرة بقليل، وأنفقه بالكامل ولو أن دخلي أكبر لصرفتُ أكثر، والأرقام التي نتحدث عنها غير دقيقة لأنه من النادر أن تجد موظفاً يقبض راتبه بالكامل وبالتالي فإننا ننفق شهرياً ما متوسطه حوالي 15 ألف ليرة ومع هذا يحسدنا غير الموظف على هذه البحبوحة).‏‏

الكلام السابق الذي قاله علاء محمد عاد ليؤكده محمود حامد الموظف من الفئة الثانية وزوجته ممرضة حيث قال: بعد اقتطاع أقساط القروض لا يبقى لدينا أكثر من (20) ألف بالكاد تسترنا حتى نهاية الشهر..‏‏

منذر سعيد قال: اعطوني كلّ شهر 15 ألف ليرة وأنا ممنون لكم، نعمل على مدار السنة في الزراعة وبأوقات عمل تصل أثناء الموسم إلى أكثر من عشر ساعات وبالكاد نخرج من الموسم بما يكفينا (أكل وشرب).‏‏

هناك من قال إنه يصرف أكثر من ثلاثين ألف ليرة ولكنه يضطر للعمل بأكثر من مجال حتى يؤمن هذا المبلغ، فلا يجد رزق حبيب ضيراً في الحديث عن عمله كسائق تاكسي بعد وظيفته فيخرج كل يوم بمئتين أو ثلاثمئة ليرة تسند راتبه وتعينه على تأمين حاجات منزله دون أن يضطر للدين ودون أن يبخل على بيته بشيء كما قال..‏‏

من جهته قال حسين أحمد إنه لا يضطر لصرف أكثر من 25 ألف ليرة ويستطيع أن يحقق وفورات معقولة كون زوجته موظفة مثله من الفئة الأولى مع أن أولاده الثلاثة في المدرسة.‏‏

هشام وزوجته موظفان أيضاً من الدرجة الثانية قالا إنهما يدفعان قسط منزل وأولادهما الأربعة في المدرسة وهما يحتاجان لأكثر من (40) ألف ليرة في الشهر لكن كل ما هو متوفر بين أيديهما لا يصل إلى (20) ألف فيضطرا لحرمان نفسيهما كما قالا من أشياء كثيرة حتى لا يضطرا لمدّ اليد وعقّب هشام بالقول: حذاء واحد يبقى معي سنتين أو أكثر ولستُ مضطراً للذهاب إلى عملي كلّ أسبوع ببنطال جديد.‏‏

غياث عامل وزوجته موظفة من الفئة الثالثة ولديهما بنت وحيدة قالا: نضطر لضبط إنفاقنا بحيث لا يتجاوز عشرة آلاف ليرة لأن كلّ ما في بيتنا اشتريناه بالتقسيط وأشار غياث إلى أن عمله ليس مستقراً لذلك فإن التحايل على الواقع هو الحلّ الوحيد.‏‏

خلاصة الكلام – وإن بقي ذلك في إطار وجهة النظر الشخصية – فإن مثل هذه الدراسات لا يمكنها حصر أي حالة ولا يمكن اعتمادها كوثيقة رسمية، والأصحّ أن تُعتمد الرواتب كمؤشر لقياس معدّل الإنفاق بالنسبة للموظفين ولا يجوز أن تفترض الدراسات أن كل أسرة يقودها موظفان كما لا يجوز أن تفترض أن لكل موظف عملاً خاصاً بعد وظيفته الرسمية ولذلك عند الحديث عن إنفاق يصل إلى أكثر من 40 ألف ليرة شهرياً فإن التنويه إلى أنه حالة خاصة ضروري جداً.‏‏

نعود لنؤكد أن من يتوفر له هذا المبلغ يصرفه وبالكاد يوفّر له شروط حياة معقولة ولكن هذا المبلغ لا يتوفر إلا لمن ورث شقة جاهزة بكل شيء عن أهله وكان هو وزوجته موظفين من الفئة الأولى ولم ينجبا أكثر من ولدين، أما أي حديث خارج هذه الحالة الخاصة فهو خاطئ وغير واقعي أو يشير إلى انزلاق صاحبه إلى سلوك لستُ مخولاً بتقييمه واللبيب من الإشارة يفهم..‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية